رياض معزوزي/أهرام العلمية- الجزائر
من المظاهر التي أفرزها الاحتباس الحراري بالعديد من الدول عبر العالم وبالخصوص الدول العربية والافريقية ما تعلق بشح في المياه الموجهة لمختلف الأغراض ،فالجزائر عانت ومنذ مدة من جفاف حاد سيما بالمناطق الجنوبية هذا الجفاف أرغم العديد من المواطنين والفلاحين على وجه التحديد شد رحالهم في سفرية البحث عن المياه الجوفية ،غير مراعين بالأخطار التي تنجم في حفر الآبار بطريقة عشوائية غير مصنفة وطنيا، وقد دق في هذا المجال خبراء في الري والسقي والمائيات ناقوس الخطر لما هو حاصل في الجزائر مطالبين من وزارة الري اتخاذ اجراءات عملية من أجل وضع حد لكل التجاات المنتهكة للمياه الجوفية وبريقة غير قانونية، وقد تعالت الصرخات بعد المرض الغريب الذي ظهر بولاية سطيف 350 كلم شرق الجزائر وبالضبط بمدينة العلمة أين فتك فيروس خطير بعائلة بكاملها بعد شريهم من مياه بئر غير معالجة منذ سنوات بسبب عدم تصنيفها ،وهو ما جعل عدة أطراف تنادي بتحرك الدولة التي وحسب معلوماتنا تحصي ما يزيد عن 10221 بئر غير مرخص منها ما اتخذت في شأنها الاجراءات القانونية ،ولعل ما زاد الطين بلة هو عدد الحفارات السورية الأصل التي تتزايد رغم منعها من النشاط في معضم ولايات الجمهورية تقريبا،وكشفت مصادر من مصلحة تدعيم المياه الصالحة للشرب بمديرية الري أن مصلحة التنقيب انتهجت إجراءات وتدابير صارمة ضد آلات الحفر غير الشرعية لمناطق مختلفة بولاية وهران غربا، وجاءت هذه المبادرة بعد أن سجلت أكثر من 150 بئرا عشوائيا. كما سجلت نقصا فادحا في عدة خزانات المياه الصالحة للشرب، بحيث أنها لا تتعدى 60 خزانا وهو لا يكفي لتغطية عملية تموين البلديات بالمياه المعدنية في سياق متصل، فإن عدد الآبار التي تمون وهران لا يتعدى 140 بئرا. وللإشارة، فإن إعادة تفعيل حفر الآبار جاء عقب التدخلات التي تولتها مديرية الري لمكافحة الحفر العشوائي للآبار بالجهة الغربية والتي تم على إثرها حجز معدات الحفر وتوقيف العديد من المتورطين. بالمقابل، فإن الحفر العشوائي للآبار الموجهة للاستغلال المنزلي وضعت بخصوصه الجهات عدة إجراءات ضبط عدد المستفيدين، علما أنه تم منح 130 رخصة حفر الآبار للاستغلال المنزلي والتجاري بالولاية خلال العام الماضي، وقد كشفت ذات المصادر أنه سيتم الشروع في حفر ألف (1000) بئر على مستوى العديد من بلديات الولاية، وذلك في إطار تدعيم قطاع الري بالمياه الصالحة للشرب، وأضافت المصادر ذاتها أن قطاع الري بوهران سيعرف تدعيما خلال الأشهر القادمة من خلال إعادة تهيئة مختلف المنشآت المائية وشبكة توزيع المياه بوهران. م.آمال و بولاية الطارف شرقا ، ما زالت الآبار أبوابا مفتوحة على إزهاق أرواح عشرات الأطفال الأبرياء، حيث تم منذ أيام انتشال جثة التلميذ “ب. ع” البالغ من العمر 13 سنة ببركة مائية في واد الزيتون، وقبلها انتشلت الحماية المدنية جثة مختل عقليا قذفت به مياه نهر سيبوس. وفي السنة الماضية تم انتشال ثمانية غرقى من الأطفال منهم جثتي هيثم ووائل بخاري بقرية الطيب بلدية واد الزيتون، وهما أبني عم، كانا يلعبان بمحاذاة بئر غير مغطاة ملك لجدهما في البيت العائلي، كما سجل خلال العامين اللذان قبلهما غرق 27 طفلا في برك مائية وآبار تم حفرها من قبل المواطنين والفلاحين دون ترخيص، خصوصا بالمناطق الريفية والنائية الحدودية الغائبة تماما عن الرقابة، مع العلم أن حفر بئر يتم وفق طلبات الترخيص من مصالح الري التي يتسبب إغفالها القيام بمهامها المنوطة بها والمتمثلة في مراقبة “خنادق الموت” التي تُحفر بطرق غير تقنية وغير قانونية كون أغلبها غير مغطى أو غير محمي بسياج وقائي.وتتزايد المأساة أيام الحر، حيث أن قدوم فصل الصيف ينذر بتزايد حجم الكارثة، أين يضطر الأطفال القاطنين في المناطق غير الساحلية إلى اتخاذ البرك والمستنقعات المنتشرة عبر الحقول والوديان أماكن مفضلة لممارسة الاستجمام والسباحة، أو بالأحرى السعي نحو الموت المحقق.ولم يشفع رقم الضحايا في إعادة النظر في مراقبة الآبار والبرك، زيادة عن هذا سجل غرق عدد من الضحايا من الأطفال في حفر تابعة لورشات انجاز الهياكل القاعدية لمختلف الشركات، مثلما حدث لأحد الأطفال التلاميذ ببلدية بحيرة الطيور الذي لقي مصرعه في خندق خلّفته وراءها إحدى الشركات الصينية و بولاية تيزي وزو في الوسط أفرز مشكل نقص المياه الصالحة للشرب وضعية مزرية، باعتبار أن سكان المنطقة لم يعتادوا عليها، الأمر الذي دفع بالكثير من أرباب العائلات إلى التفكير في حفر الآبار للتخلص من هذا الهاجس الذي ازدادت حدته خلال السنوات الأخيرة، لكن الأخطر في كل هذا أن معظمهم لم يراع الشروط التقنية والصحية الواجب اتخاذها بعين الاعتبار في مثل هذه الحالات. وهو ما يشكل خطرا حقيقيا على صحتهم وسلامتهم من جراء احتمال وقوع تلوث للمياه الباطنية التي يستعملونها في الشرب، وتشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن ولاية تيزي وزو تتوفر على أكثر من 2000 بئر منها 350 غير معالجة، كما أكدت بعض المصادر أن عدد الآبار الفعلية بهذه المنطقة يفوق بالكثير هذا الرقم الرسمي، لأن معظمها غير محصي، ورغم ذلك فإن مياهها تستعمل للشرب وسقي المزروعات، وقد أقدم مؤخرا العديد من المواطنين ببلدية ذراع الميزان، تيزي غنيف، مشطراس وبوغني على حفر آبار بشكل فوضوي دون تراخيص من الجهات المعنية، مما يشكل خطرا حقيقيا على البيئية وعلى صحة المواطنين نظرا لوجود حفر للمياه الملوثة قريبا من تلك الآبار وقنوات صرف المياه القذرة بجوارها، مما ساهم في ظهور حالات من مرض التيفوئيد والجرب نتيجة اختلاطها، وقد سجلت مصالح الصحة بالولاية منذ شهر جوان إصابات جديدة بهذه الأمراض الخطيرة.هذا ولم يجد المئات من الفلاحين بمختلف بلديات ولاية تيبازة من بد لمجابهة مشكل السقي غير حفر آبار بشكل غير قانوني لحماية محاصيلهم الزراعية التي أتلف جزء كبير منها بفعل هذا المشكل الذي أصبح يشكل كابوسا فظيعا لدى الفلاحين الذين لايزالون في صراع دائم مع الصعاب التي تواجههم ولعل من أهمها في الظرف الحالي مشكلتي انعدام الأسمدة وغلاء أسعار البذور فضلا عن رداءتها.أبدى العشرات من الفلاحين بولاية تيبازة في حديثهم “للأهرام العلمية” تخوفهم من تأخر تهاطل الأمطار خلال فصل الشتاء المقبل مما سيؤثر -حسبهم- سلبا على السير الحسن للموسم الفلاحي الجديد الذي سيكون كارثيا في حالة ما إذا لم تحل المشاكل التي يعانون منها في القريب العاجل ولعل من أهمها توفير الأسمدة التي من الضروري استعمالها خلال بداية عملية الزرع.فلاحو تيبازة الذين يعانون من مشكل سقي محاصيلهم الزراعية إظطر الكثير منهم في الفترة الأخيرة إلى حفر آبار بشكل غير قانوني لإنقاذ منتوجهم الذي صرفوا عليه أموالا باهظة سيما منهم المستفيدون من برنامج الدعم الفلاحي مما أدى إلى تعرضهم لعقوبات صارمة وفق ما ينص عليه قانون تسيير المياهبعض الفلاحين وفي حديثهم أكدوا أنهم أجبروا على حفر آبار بداخل مستثمراتهم الفلاحية بعد أن تعذر عليهم الحصول على رخص لإنجاز آبار من شأنها أن تخلصهم نهائيا من مشكل السقي الذي أصبح من بين أخطر وأصعب المشاكل التي تواجه الفلاحين الذين اظطر العشرات منهم إلى تكييف نشاطاتهم وفق الظروف المناخية السائدة بالمنطقةالأمين العام للغرفة الفلاحية بولاية تيبازة أكد هوالآخر خطورة هذا المشكل الذي أثر سلبا على نشاط الفلاحين الذين تعرضت محاصيلهم الزراعية الى الهلاك نتيجة عدم توفر مياه السقي خاصة بالجهة الغربية للولاية التي عانى بفعلها المزارعون الأمرين في ظل قلة إن لم نقل إنعدام مشاريع السقي الفلاحي، عدا مشروع سهل متيجة الغربيةمصالح الدرك الوطني بولاية تيبازة وحسب ما صرح به ” للأهرام العلمية” قائد الأركان بالمجموعة الولائية للدرك الوطني بتيبازة الرائد علي روان، أحصت خلال السنة الماضية أزيد من 132 حفر بئر دون رخصة داخل المستثمرات الفلاحية التي أنجزها الفلاحون بغرض سقي محاصيلهم الزراعية مما عرضهم لعقوبات وفق ما ينص عليه القانون. كما سجل في سياق متصل العديد من الانتهاكات التي تعرضت لها الثروة المائية من طرف المستثمرين الصناعيين الذين عاثوا في هذه الثروة الحيوية استنزافا خاصة بالجهة الشرقية للولاية.
يجب الإشارة إلى أن ظاهرة حفر الآبار بالبلديات المذكورة أعلاه لا تزال متواصلة لغياب الرقابة الصارمة في هذا المجال، وهو الأمر الذي يتسبب في إتلاف المياه الباطنية والجوفية مع ظاهرة الجفاف التي مست العديد من المناطق، ويتطلب ذلك تفعيل شرطة المياه ومحاربة هذه الظاهرة الخطيرة التي تستنزف الثروة المائية بطرق عشوائية لا تعتمد على المعايير العلمية المعمول بها.
رياض معزوزي مراسل أهرام العلمية الجزائر