كتب : دكتور / حسن صبحي حسن مصطفى : مصر
( 1 ) البيئة من وجهة نظر الاقتصاد :
تعتبر البيئة موارد هامة للبشرية ، بل هي ملهم العيش و الحياة لهم ، و الموارد في اللغة العربية هي جمع لكلمة مورد و المورد تعني المنهل أو مصدر الرزق(*) ، و مصادر الرزق متعددة و الإنسان منذ أن خلق على وجهه الأرض أمره الله سبحانه و تعالى بالسعي( ) ، كما أمره بالأخذ بالأسباب و الحث على العمل وصولا إلى مصدر رزقه( ) . و من هنا حدث تفاعل بين الإنسان و الطبيعة و التي وهبها الله له و تركه يسعى فيها و ألهمه العلم ليكتشف أسرارها و ينهل من مواردها كل ما يخدم احتياجاته و يحقق له السعادة و الهناء ، و على الرغم من ذلك فقد نهانا الله سبحانه و تعالى بعدم الإسراف في الموارد التي وهبها لنا سبحانه و تعالى شأنه ، و إذا تمعنا هذا النهي لوجدنا فيه حكمة اللاهية اقتصادية عظيمة تهدف إلى بقاء هذه الموارد و استمرارها عبر الزمن تنهل منها كل الأجيال و الأمم حتى قيام الساعة .
من ثم يتضح لنا أن الله سبحانه وتعالى أمر الإنسان بالتفكر و التدبر في كل ما يدور حوله في الكون ( الطبيعة ) التي وهبها الله لنا و جعلها بقدر معلوم .
و قد لا نختلف مطلقا إذا قلنا أن الإنسان مهما اختلفت عقيدته و مهما اختلفت ديانته و في كل زمان و كل مكان ، كان يتصرف على الفطرة من اجل حصوله على رزقه و ينهل ما يحتاج من الموارد المتاحة له في الكون ، ويلهمه الله التفكير في حل مشكلته الاقتصادية و التي تتعلق بالتوفيق بين ما يحتاجه و بين ما هو متاح له من موارد ، و نحن لا نختلف أيضا إذا قلنا أن الإنسان عندما تكون له حاجة من الحاجات و لم يجد المورد المباشر الذي يشبع أو يسد حاجته ، فقد يلهمه الله التفكير في مزج و توليف ما لديه من موارد للحصول على مورد جديد يمكنه من إشباع حاجته التي يسعى إليها .
من ثم يمكن القول أن علماء الاقتصاد الوضعي اهتموا بدراسة سلوك الإنسان و تصرفاته حول كيفية إشباع رغباته مما دفعهم ذلك إلى الاهتمام بعلم اقتصاديات الموارد . وبذلك يمكن القول أن علم اقتصاديات الموارد ” هو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة السلوك الإنساني و تصرفاته بالمجتمع و محاولة الوصول إلى مبادئ و قوانين تحكم هذه التصرفات و تكون مرشداً له عبر الزمن لكي يحسن استخدم ما لديه من موارد محدودة و استغلالها بما يتلاءم و احتياجاته في الحاضر و المستقبل و المحافظة عليها للأجيال بالمستقبل ” .
( 2 ) علم اقتصاديات الموارد وعلاقة الإنسان بالبيئة :
يمكن تعريف علم اقتصاديات الموارد بأنه ” هو ذلك العلم الذي يبحث في علاقة الإنسان بالبيئة ( الطبيعة ) المحيطة به ، و هذا من ناحية نشاطه الخاص بإنتاج السلع و الخدمات ” . و قد تكون علاقة الإنسان بالبيئة إيجابية و في هذه الحالة يحسن الإنسان من استخدام الموارد ، و قد تكون هذه العلاقة سلبية و بالتالي يفسد الإنسان بالبيئة مما يترتب عليه إساءة استخدام الموارد . و سوف نتناول هذا الموضوع بالتفصيل في الفصل الخاص بالتنمية البشرية و الاستثمار البشري .
كما توجد علاقة وثيقة بين علم الاقتصاد ( بأعتبارة العلم الذي يدرس الحاجات الإنسانية المتعددة وكيفية إشباعها بأقل مجهود ممكن ) وبين علم اقتصاديات الموارد الذي يبحث في علاقة الإنسان بالبيئة من ناحية نشاطه الخاص بإنتاج سلع وخدمات ، و يمكن توضيح العلاقة بين العلمين فيما يلي :
1- يدرس علم الاقتصاد عوامل الإنتاج بما فيها الأرض ، و تعتبر دراسة البيئة الطبيعية من أهم موضوعات دراسة اقتصاديات الموارد .
2- يمد علم اقتصاديات الموارد علم الاقتصاد بالمعلومات الخاصة عن حجم الموارد الاقتصادية و أماكن تواجدها مما يساعد الدولة على رسم سياستها الإنتاجية و الاقتصادية الملائمة مما يساعد على تسريع التنمية الاقتصادية .
3- تؤثر عوامل البيئة الطبيعية بما في ذلك المناخ على نوع النشاط الاقتصادي و بالتالي على التنمية الاقتصادية .
( 3 ) : أسباب الاهتمام بدراسة البيئة ( الموارد الاقتصادية ) :
بدأ الاهتمام الحقيقي من جانب الاقتصاديين بدراسة الموارد الاقتصادية في النصف الثاني من القرن العشرين و ذلك للأسباب التالية :
1- زيادة حركات التحرر بعد الحرب العالمية الثانية ن وفقدان الدول المتقدمة لمعظم مستعمراتها خلال فترة الخمسينيات و الستينيات ، مما أدى إلى فقدان الدول الكبرى مصادر عديدة للموارد الطبيعية الأولية ، و قد نبه الاقتصاديون إلى أهمية تلك الموارد و أثرها في عملية التنمية الاقتصادية .
2- الإفراط في استخدام الموارد المعدنية و الطاقة الرخيصة ، مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعارها النسبية بحيث أصبح هذا الارتفاع في الأسعار يشكل عقبة أمام النمو الاقتصادي فكان لا بد من الاهتمام بدراسة اقتصاديات تلك الموارد .
3- الأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم نتيجة لعجز الموارد عن تلبية الحاجات الإنسانية .
4- الحاجات الإنسانية المتعددة وضرورة توفير المورد اللازمة لهذه الحاجات .
5- تزايد المعادلات السكانية .
6- زيادة معدلات استهلاك الفرد .
7- التخطيط و التنمية : فالتخطيط و التنمية يتطلبان ضرورة حصر الموارد الاقتصادية اللازمة لتنفيذ خطط التنمية ، و مدى قدرة هذه الموارد على تنفيذ هذه الخطط التنموية .و لنجاح التخطيط لا بد و أن يكون واقعيا أي في ضوء الموارد الاقتصادية المتاحة .
8- تكوين أسواق مشتركة : حيث يتطلب ذلك أن تقوم كل دولة بحصر مواردها الاقتصادية حتى يمكن تحديد نوعية السلع التي تستطيع إنتاجها بأقل تكلفة .
9- انتشار صناعة البدائل : إذ يتطلب ذلك البحث عن الموارد التي تستخدم في صناعة تلك السلع .
10- الثورة الصناعية و ما يترتب عليها من زيادة في الإنتاج .
11- اتباع معظم الدول لأسلوب التخطيط الاقتصادي ، و هذا يتطلب دراسة الموارد الاقتصادية و حصرها حتى تكون الخطط واقعية .
12- تطور الأفكار الاقتصادية التي تدعو إلى ضرورة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي لحماية الفقراء و الحد من الاحتكار و تحقيق الرفاهية ، و هذا يتطلب تدخل الدولة لحصر الموارد الاقتصادية .
13- علاج الأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها الدولة كحالات الكساد ، الأمر الذي يدعو الدولة إلى التدخل لتحقيق الانتعاش ، و هذا يتطلب دراسة جادة للموارد الاقتصادية .