Orion
كتب : د محمد زكريا توفيق
برج رائع. أجمل أبراج السماء على الإطلاق. عندما يظهر في الليالي الصافية التي يختفي فيها القمر، يتلألأ برج الجبار، أريون، في كبد السماء ولا تخطئه العين. أجمل نجومه، ثلاثة نجوم تقع على شبه خط مستقيم في وسط الجبار، حيث يوجد الحزام. من هذه النجوم، يمكن تتبع باقي البرج.
الجبار أريون، صياد محترف مدجج بالسلاح. يحمل هراوة غليظة في يده اليسرى، ودرعا في يده اليمنى، وسيفا يتدلى من وسطه. به أكبر مجموعة نجوم ساطعة. خمسة منها من الدرجة الثانية في اللمعان، وإثنان من الدرجة الأولى. النجم منكب الجوزاء (Betelgeuse) في مكان الكتف الشمال، والنجم رجل (Rigel) في مكان القدم اليمين. وهي أسماء عربية كما نرى.
النجم رجل من النجوم العملاقة. 33 ضعف قطر الشمس. 20 ألف ضعف شدة استضاءتها. يبعد عن كرتنا الأرضية مسافة 900 سنة ضوئية. السنة الضوئية، هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة. ولنا أن نتخيل عظمة هذه المسافة، إذا علمنا أن الضوء يقطع مسافة تعادل سبعة أضعاف محيط الكرة الأرضية في الثانية الواحدة. هذا يعني أننا نرى النجم “رجل” في حالته منذ 900 سنة.
أما النجم منكب الجوزاء، فيبلغ قطره 400 ضعف قطر الشمس، وشدة استضاءته 3600 ضعف شدة استضاءة الشمس، ويبعد عنا 310 سنة ضوئية.
أحد نجوم الجبار أريون، الواقعة في سيفه المتدلي من وسطه، لا ترى بوضوح بالعين المجردة. لكننا تغيير حجم الصورةنجدها، عند النظر بالتليسكوب، عبارة عن سحابة غازية متوهجة. هي سيديم أريون العظيم (Great Orion Nebla). الذي توجد به مادة من الغازات والتراب تكفي لصنع 10 آلاف نجم في حجم شمسنا. السبب في ظهورها باهتة، هو بعدها عن الأرض مسافة قدرها 1500 سنة ضوئية.
الجبار أريون هو الصياد العظيم. ليس هناك حيوان على ظهر الأرض يستطيع أن يهرب منه. عرفه اليونانيون القدماء منذ خمسة قرون قبل الميلاد، واسموه المقاتل(Warrior). هو ابن بوسيدون (Poseidon) إله البحار.
كان أريون يتيه فخرا بقوته ومهارته كصائد للحيوانات المفترسة. وكان يدعي أنه قادرا على قتل كل حيوانات الأرض. ارتاعت إلهة الأرض جايا (Gaea)، عندما علمت بقدرة الجبار أريون على قتل حيوانات الأرض. لذلك، قررت قتله على الفور، حماية لحيوانات الأرض من الإنقراض.
أرسلت جايا إلهة الأرض عقربا عظيم الحجم، وأمرته بلدغ أريون وقتله بسمه الزعاف.
أطاع العقرب أوامر إلهة الأرض. ذهب لتوه إلى أريون، ودارت بينهما معركة طاحنة. لم يستطع أريون التغلب على العقرب، بسبب حماية جايا له. وعلى حين غفلة، قام العقرب بلدغ أريون في رجله وإدخال سمه المميت في جسده لكي يقضي نحبه ويموت الجبار أريون في التو واللحظة.
لأن الجبار أريون هو ابن الإله بوسيدون، وبسبب الدور الذي قام به العقرب في قتل أوريون وإنقاذ حيوانات الأرض من خطر محتمل، لذلك قررت آلهة الإغريق رفع جثماني الجبار أريون والعقرب إلى السماء. وإضافتهما كبرجين إلى باقي الأبراج.
حرصت الآلهة على أن تبعد كل منهما عن الآخر. بحيث إذا ظهر أحدهما في السماء، اختفى الآخر وراء الأفق. حتى لا تقوم بينهما معركة ثانية، مثل المعركة التي قتل فيها أريون. تعتبر أسطورة قتل الجبار أريون بسم العقرب، هي أشهر الأساطير القديمة التي تصف مقتل أريون.تغيير حجم الصورة
جاء في أسطورة أخرى من الأساطير اليونانية القديمة، أن الإلهة أرتيمس (Artemis)، ديانا (Diana) عند الرومان، وإلهة الحيوانات البرية والقمر، كانت تعشق الجبار أريون، القوي الوسيم.
لكن قصة الحب هذه لم تكن تروق الإله أبوللو (Apollo) أخو أرتيمس. لأن أرتيمس أهملت بسبب حبها هذا، واجباتها، ولم تعد ترسل الضياء إلى القمر. لذلك، قرر أبوللو التخلص من الجبار عندما تحين الفرصة.
عندما كان الجبار أريون يستحم في البحر في يوم من الأيام، كان أبوللو يسير مع أخته أرتيمس على الشاطئ. عندئذ، تحدى أبوللو أخته أرتيمس، فيما إذا كانت تستطيع أن تصيب بسهمها هذا الهدف المتحرك، الذي يطفو ويغوص في الماء.
لم تكن أرتيمس تعلم أن أريون، حبيب عمرها، هو الذي يعوم في الماء. قبلت أرتيمس التحدي. وكانت هي الأخرى صائدة ماهرة. لم لا وهي إلهة الصيد والقمر؟ صوبت أرتيمس سهمها المميت، وأطلقته على رأس الجبار أريون وهو يغوص في الماء، فأردته قتيلا.
تغيير حجم الصورة
عندما حملت الأمواج جثة أريون وألقتها على الشاطئ، علمت أرتيمس الحقيقة المروعة. وعلمت أنها كانت ضحية مكر ودهاء أخيها أبوللو اللئيم. بحزن بالغ، وضعت أرتيمس جثمان أريون في عربتها الحربية ذات اللون الفضي، وطارت به إلى ركن مظلم، لتضع فيه جسد حبيبها أريون. كي يضئ كبرج من أبراج السماء. لكنه أكثرها بريقا ولمعانا.
وضعت أرتيمس معه أيضا برجي الكلب الأكبر والكلب الأصغر الذين كانا يستخدمهما أريون في الصيد. ويظهر أريون في السماء كأنه يطارد حوريات الثريا (Pleiades) السبع الجميلات، وهي التي تقع في برج الثور (Taurus).
في أسطورة أخرى، أحب الجبار أريون الأميرة ميروبي (Merope) ابنة الملك أينوبيون (Oenopion). عندما تقدم أريون لطلب يد الأميرة، طلب منه الملك أن يقتل كل الحيوانات المفترسة، التي كانت موجودة في الجزيرة، ويقدمها كمهر لابنته.
قام أريون بالبحث عن حيوانات الجزيرة المفترسة، وقام بقتل كل حيوان يجده. عندما أنهى مهمته، توجه طالبا من الملك الوفاء بوعده. لكن الملك رفض زواج أريون من ابنته، بحجة أن أريون لم يتم عمله بالكامل.
أحضر الملك كشاهد، عدة أسود ودببة وذئاب، كانت لا تزال تهيم في الجزيرة، لم يقم أريون بقتلها. جن جنون أريون لرفض الملك طلبه الزواج من ابنته، وقرر الانتقام بطريقته الخاصة.
في أحد الليالي حالكة الظلام، تخفى أريون في ملابس أحد الحراس. تسلل إلى القبو الذي يحفظ فيه الملك النبيذ المعتق. ظل يشرب ويشرب حتى ثمل. ثم انطلق إلى مخدع الأميرة ميروبي، وقام باغتصابها.
مع ضوء الفجر، اكتشف الملك ما فعله أريون واغتصابه لابنته. استغاث الملك بوالده دايونيسوس (Dionysus) إله النبيذ. أرسل دايونيسوس إلى ابنه الملك، نبيذا خاصا وطلب منه أن يسقيه لأريون.
بعد أن شرب أريون النبيذ الخاص، غاب عن الوعي. عندئذ، قام الملك بتقريب قضيب حديد شديد الحرارة من عيني أريون حتى أفقده البصر. ثم ألقاه على شاطئ الجزيرة. لكن أريون استعاد بصره، بتعريض عينيه لضوء الشمس، بناء على نصيحة هيليوس (Helius) إله الشمس.
عرف قدماء المصريين، برج أريون. وكان يمثل الإله أوزوريس (Osiris). يحمل على كفه النجم الدبران (Aldebaran). أما النجم سيرس (Sirius) أو الشعرى اليمانية، فكان يمثل الإلهة إيزيس. لكنه لا ينتمي لبرج الجبار أريون. تغيير حجم الصورة
من الملفت للنظر والجدير بالذكر، أن أهرامات الجيزة الثلاث، التي تتوسط برج الجبار أريون، والتي تشبه الخط المستقيم، لا تكون بالضبط خطا مستقيما. بذلك، يفهم الآن لماذا لم تبن أهرامات الجيزة الثلاثة على خط مستقيم.
كان الجبار أريون يمثل إله الشمس عند الفينيقيين. عرفه أيضا العبرانيون، وأسموه الجبار. كان يمثل النمرود الذي حظي بغضب الإله يهوا. عرفه أيضا العرب، وكانوا يطلقون عليه الجوزاء، وتعني منطقة وسط السماء. ثم أطلقوا عليه اسم الجبار.
عرفه الصينيون القدماء، على أنه جزء من برج أكبر هو برج النمر. وعرفه الهنود وأسموه براجا-باتي (Praja-pati). ويعني ذكر الغزال الذي يطارد ابنة الدبران (Aldebaran). وهو نجم يقع في مجموعة برج الثور (Taurus). ويقع قريبا جدا من برج الجبار أريون.
لكن نجم الشعرى اليمانية الواقع في برج الكلب الأكبر (Canis Major)، يعاقب الفلاتي براجا-باتي بأن يطلق عليه سهما ليقتله. عند النظر إلى برج الجبار أريون، يمكن رؤية السهم مرشوقا في وسطه. وهو حزام الوسط كما نراه الآن.
أفضل الأوقات لمشاهدة برج الجبار أريون هي شهور: ديسمبر، يناير، فبراير، ومارس.
النجوم:
الفا منكب الجوزاء (Betelgeuse)، نجم عملاق أحمر يتكون من 6 نجوم. معظم النجوم المرافقة خافتة لا ترى بالعين المجردة
درجة اللمعان: 0.5
البعد: 310 سنة ضوئية
بيتا الرجل (Rigel). نجم لامع أبيض من الدرجة الأولى. له ثلاث نجوم مرافقة، كلها خافتة لا ترى بالعين المجردة.
درجة اللمعان: 0.1
البعد: 900 سنة ضوئية
جاما المرزم (Bellatrix)
درجة اللمعان: 1.6
البعد: 360 سنة ضوئية
دلتا المنطقة (Mintaka). نجم مزدوج
درجة اللمعان: 2.2
البعد: 1400 سنة ضوئية
إبسيلون النيلم (Alnilam)
درجة اللمعان: 1.7
البعد: 1200 سنة ضوئية
إكساي النطاق (Alnitak)
درجة اللمعان: 1.8
البعد: 1100 سنة ضوئية
كابا السيف (Saiph)
درجة اللمعان: 2.1
البعد: 68 سنة ضوئية
لمبدا الميساء (Meissa). ويعني الاسم بالعربية المتوهجة.
درجة اللمعان: 3.4
العناقيد: (NGC2169) من الدرجة السادسة
السديم: (M42). سديم الجبار أوريون المشهور. كذلك السديم المرافق له (M43). موجودان في منطقة السيف. يمكن رؤيتهما بالعين المجردة. يبعدان عنا مسافة 1500 سنة ضوئية. توجد بينهما سديم رأس الحصان المشهورة، والتي لا ترى إلا بالتصوير الفوتوغرافي البطئ، نظرا لامتصاص الأتربة الموجودة بها للضوء.