شهدت مدينة القيروان التونسية منذ أيام قليلة النسخة السادسة من فعاليات المهرجان الدولي للفيلم البيئي ، المهرجان الذي تزامنت فعالياته مع انعقاد قمة المناخ بالمكسيك وسط أرقام قياسية مذهلة ومفزعة في آن لحجم وعدد الكوارث المناخية التي تعصف بكوكب الأرض بسب تفاقم التغبر المناخي والاحتباس الحراري.
يصف خبراء البيئة والمختصين في الميدان الفني المهرجان بالخطوة الإيجابية على الرغم من تأخر هذه الخطوة وهامشيتها على اعتبار أن وسائل الإعلام المختلفة بشقيها العام والخاص، العالمي وقبله المحلى لم تواكب صراحة فعاليات المهرجان وخطواته ولم تسلط الضوء عليه ولا على اسهاماته أو جدواه، في وقت لم يخفى فيه الشارع العربي جهله بالمهرجان وعدم درايتهم به أو حتى ماهية الفيلم البيئي بما في ذلك الشارع من مثققفين ورجال علم ودين أو سياسة، لكن المشهد من الداخل لم يتغير أو على الإقل لم يحد عن القاعدة السابقة، إذ يؤكد العارفون في هذا المجال ضعف سينما البيئة العربية سواء من ناحية الحضور أو الكم ولا حتى من الناحية الجمالية الفنية وكذا الدعم التقني والتكنولوجي وهو ضعف لا يبرر، ومن المثير حقا أن تصل السينما العالمية المعروفة لدينا نحن المستهلكون العرب تصل إلي أقاصي التوظيف التكنولوجي، ووسط زخم شعبي وقاعدة جماهيرية كبيرة، ولكن الحقيقة التي بقي مجهولة وراء أبواب موصدة هي أن السينما العربية بكل أنواعها وفروعها لا زالت تصارع في البحث عن موقع ومركز معين وعن هوية لازالت تائهة في ابجادها، وضع لا نحسد عليه ولا يمكن نكرانه أو نفيه ولكنها على الأقل تحظي بقاعدة جماهيرية معتبرة، ولديها الراعي الإعلامي الذي يدعمها وكما تحظي بأقنية خاصة بها، أمر يجعل من فيلم البيئة حبيس المجهول والجحود. وهو إن كان وضع مقلق فإنه لا يختلف عما تحياه باقي النشاطات وجوانب الحياة السياسية والإقتصادية والثقافية في بلدان عربية شتي والتي لا تزال في حالة تصارع وصدام وتصعيد، جوانب تبحث عن منارة أمل وأمن تستدل بها وسط معتركات لا تنتهي أو بالكاد ظهرت للوجود، غير أن الواجهة يجب أن تتغير وتتعدل زاوية النظر إذ أن قلة الإهتمام وغياب الوعي ونقص الإمكانيات المادية والبشرية، بالاضافة إلي غياب ثقافة فيلم البيئة، أسباب واهية لا يجب أن تقف حجر عثرة أمام تطور وتقدم سينما البيئة، فهذه الإخيرة وإن ظلت حبيسة جدران مظلمة وأفاق ضيقة وزوايا حادة فهي أضحت تمثل ركيزة وإن كانت تقع على الهامش فهي أساسية لتوعية بأهمية البيئة أو على أبسط تقدير التدليل بمخاطر التغير المناخي والتلوث البيئي وأيضا الاحتباس الحراري، والتي تهدد الحق الطبيعي للإنسان في الحياة على كوكب هو وطنه الأم رغم كل التسميات ورغم الحدود الفاصلة التي قد تفصل البشر ولكن حتما لن تحد تدفق الحياة ودفء الانسانية، لكن تظل المهمة الرئيسة للسينما بشكل عام والبيئية هو ما يثير انتباه العالم والعالم العربي على نحو خاص إن السينما صوت انساني خالص ونافذ يتغلغل دون حدود أو قيود وبمنتهي السحر والجمال.
الأكيد ان مستقبل الفيلم البيئي العربي لا يزال ضبابيا، ومجهول الهوية والغاية وحتى الوسائل المستخدمة التي توظف بشكل لائق وسليم، ومناسب لاحتياجات هذا النوع من الأفلام مع خصوصية عربية، وحتى ذلك الوقت الذي يسمح بالحديث عن رهانات الفيلم اليئي العربي ومقتضياته، يظل شبح الواقع يفرض نفسه بقوة علينا بما يثيره من تشاؤمات، وما يبعثه من القلق والسخط من حال يورثي لها، فغياب المنهج المؤطر والسياق المحدد لسينما البيئة العربية من أهم عوائق التي تحول دون انتاج هذا النوع من الإفلام سواء على الصعيد المحلي أو القومي أو العالمي كأبعد طموح، غير أن ثقل المسؤولية يقع أكثر على عاتق المؤسسات والأقنية الإعلامية والحكومية على حد السواء، فالتوعية بمخاطر وتدهور صحة البيئة بلا شك سيبعث على ضرورة تعبئة الجماهير بكل الموجودات والوسائل المتاحة _بمفهوم التعبئة من جانبه البيئي_ لمحاربة هذه المخاطر بما في ذلك السينما كصوت للبيئة وروحها. إذ تبقي اللغة السينمائية حادة كانت أو طريفة ومسلية، واحدة من بين الأساليب الأساسية التي تجعل من الإنسان العربي تحديدا يدرك حقيقة ما يحياه ويعي ما يحيط به، بعيدا عن ضغوط الخطابات والمؤتمرات والقمم التي تستجدي القلب ولا تجدي، لا تقدم ولا تؤخر ومن دون داع.
مثل مهرجان القيروان بادرة خير جديدة ، وصلح بين الإنسان والفن و البيئة، مهرجان احتضنته مدينة توصف بالساحرة والمتلألأة، وكأنها تذكر بما تحمله البيئة من جمال والطبيعة من أمومة وحنان وتسامح على الإنسان على الرغم من قسوتها أحيانا عليه وظلمه وأذيته لها في مرات عدة .