بقلم الأستاذ الدكتور هانى الناظر
انتشر فى مصر خلال السنوات الماضية ما أطلق عليه مصطلح الطب البديل والذى عرفه البعض بأنه علاج الأمراض بوسائل غير تقليدية طبيا بعيدا عن الأدوية والعقاقير وقد أخذ هذا النوع من العلاج أشكالا محتلفه مثل العلاج البيئى الذى تستخدم فيه ظروف البيئة فى علاج بعض الأمراض مثال استخدام الرمال السوداء فى علاج أمراض الروماتيد والروماتيزم وكذلك الاستشفاء بالمياه المالحة وأشعة الشمس كما فى حالات علاج مرض الصدفيه بمنطقة سفاجا بالبحر الأحمر ، كذلك هناك أشكال أخرى مختلفة مثل العلاج بالابر الصينية والعلاج بالأعشاب والنباتات الطبية. والحقيقة فإن العلاج بالأعشاب يرجع تاريخه إلى عصر الدولة الفرعونية القديمة فلقد كان المصريون القدماء هم أول من نجحوا فى علاج الكثير من الأمراض بإستخدام الأعشاب المختلفة وقد سجلوا هذا فى تراثهم الذى تركوه محفورا على جدران معابدهم ونفس الكلام بالنسبة لمنطقه جنوب شرق أسيا حيث إشتهرت الصين بالعلاج بإستخدام مئات الأنواع من النباتات والأعشاب كذلك فإن الفتره التى شهدت قيام الدولة الاسلامية العظمى كانت بمثابة طفره كبيرة فى هذا المجال حيث برع الأطباء العرب فى علاج العديد من الأمراض بإستخدام العقاقير النباتيه وكان إبن سينا من أشهر العلماء العرب الذى قدم تركيبات دوائيه من الأعشاب لمعالجة أمراض مزمنه مختلفه .
واستمر الحال مئات السنين والانسان فى كل بقاع العالم يعتمد على العلاج بالأعشاب والنباتات وبدأ العلم يتطور فى مجال الصحة والدواء خاصه مع بدايه القرن الماضى ومع ظهور المضادات الحيوية وكان أشهرها البنسلين الذى يشتق من أنواع معينه من الفطريات وهو دواء من أصل طبيعى ثم تلا ذلك تطور سريع ومذهل فى صناعة الدواء حيث بدأت تظهر عقاقير عديده من مركبات كيميائية مختلفه ومع هذا ظلت هناك أدوية كثيره مشتقه من منتجات طبيعية سواء نباتيه أو حيوانيه أو من شعب مرجانيه مستخرجه من البحار أو من طحالب المياه وإستمر التطور فى صناعة الدواء حتى اليوم مما أدى إلى ظهور أنواع جديده من الأدوية خاصة مع إستخدام التكنولوجيات الحديثه مثل الهندسة الوراثية وزراعة الأنسجه والخلايا الجذعيه وكلها ناتجه من الأبحاث فى مجال مايعرف بإسم التكنولوجيا الحيوية . ورغم هذا التقدم الهائل فى علوم الدواء الا أنه وفى خلال السنوات القريبة الماضيه بدأ الإنسان يعود مرة أخرى للعلاجات الأخرى الغير تقليديه خاصة بالأعشاب وذلك بعد أن أظهرت التجارب والأبحاث العلمية أن الأدويه الكيماوية رغم فاعليتها وقوة تأثيرها الا انها تسبب الكثير من الأعراض الجانبيه للانسان بل تبين أن هناك أدويه تسبب أمراضا جانبيه أخطر من الأمراض التى تستخدم لها بل وصل الحد إلى أن هناك من الأدويه التى قد تودى بحياه الانسان هذا بخلاف تأثيراتها على الجلدوالدم والكبد والكلى بل على الجهاز العصبى والدورى للإنسان حتى أن بعض تلك الأدويه وجد أنه يسبب تشوهات للأجنه فى بعض السيدات الحوامل ولم يقتصر الأمر على ذلك بل إمتد إلى أن كثير من الأدويه الحديثه لم يحقق نتائج إيجابيه فى علاج كثير من الأمراض خاصه تلك التى يطلق عليها الأمراض المزمنه وقد أدت كل هذه العوامل المختلفه إلى لجوء الانسان مره أخرى للعلاج بالأعشاب والنباتات الطبيه . إلا أنه ومع الأسف الشديد بدأ الكثير من أصحاب النفوس الضعيفه فى استغلال الآم المرضى وحاجتهم للعلاج إلى إستغلال هذه الوسيله العلاجيه لكى يتاجروا بالآم هؤلاء المرضى فأصبحنا نجد محلات العطاره تبيع للمرضى الأعشاب الطبية المختلفه ويقوم العطارون بوصف العلاج للمرضى رغم أنهم غير مؤهلين ولا يمتلكون الخبرات الطبيه فى العلاج ولكنه الفساد الذى يدفع البعض لجنى الأموال من المرضى دون وجه حق بل وصل الأمر إلى أن هناك من هم غير أطباء وقد قاموا بفتح عيادات متخصصه للعلاج بلأعشاب دون الحصول على تصاريح أو موافقات من وزارة الصحة مما يعتبر جريمه بمعنى الكلمة وقد إمتد الموضوع للأسف لوسائل الاعلام المختلفة فنجد هناك قنوات فضائيبة وقد خصصت مساحات للاعلان عن علاج الأمراض المختلفة بلأعشاب بصورة غير أخلاقيه حتى أننا وجدنا اعلانات عن أعشاب تعالج أكثر من عشرة أمراض فى وقت واحد مما يعنى أن الموضوع نصب وإحتيال وتجاره بآمال والآم المرضى ولازال حتى اليوم جهارا نهارا البرامج التليفزيونيه التى تستضيف شخصيات بعيده تماما عن المجال الطبى لتصف الأعشاب وطرق العلاج للمرضى بل والأسوء من ذلك أن يظهر من يتاجرون بالمرضى والدين معا بدعوة أنهم يلجأون للطب النبوى فى علاج المرضى مما يعطى إنطباع للمرضى أنهم يخشون الله وأنهم أناس متدينون ويستخدم وصفات طبيه كان يصفها النبى محمد صلى الله عليه وسلم فيقع المرضى فى فخ النصب والاحتيال على إيدى هؤلاء الفاسدين وهكذا تحول العمل الانسانى من أجل التخفيف من الآم المرضى إلى عمل غير أخلاقى يبعد عن المبادىء ولكنه فقط من أجل جمع المال الحرام والتجارة بالآم المرضى ومن أجل كل هذا بدأ العلماء فى الانتباه لهذه الظاهره ولذلك قام المركز القومى للبحوث عام الفين وثلاثه بإنشاء قسم بحثى علمى تحت مسمى الطب التكميلى فمن الناحيه العلمية لايوجد شىء اسمه الطب البديل فأى علاج بأى وسيله هو علاج طبى حتى لو كان أعشاب وأنه لابد أن \يكون تحت إشراف طبى وعليه فإنه يكون علاجا طبيا وليس بديلا ومن أجل هذا أطلقنا اسم الطب التكميلى أى إستخدام وسائل علاجية تكميلية مع الوسائل التقليدية ولكنها ليست بديله عنها وكان الهدف من إنشاء هذا القسم هو تقنين استخدام العلاج بالاعشاب وغيرها وتقديم البحوث الطبية التى تخدم قضية علاج المرضى بالأعشاب النباتية والطبية وغيرها من وسائل طبيعية بحيث تكون امنه وفعاله وبعيده عن هؤلاء الذين يتاجرون بالآم المرضى .
إن الدولة فى الفتره القادمه ممثله فى الوزارات المعنيه بقضايا العلاج مثل وزارة الصحة والتعليم العالى والبحث العلمى لابد أن تهتم بهذه القضية وتضع الضوابط المنظمة للعلاج بالأعشاب بل أننا فى حاجة لإصدار قانون ينظم طرق بيع وتداول الأعشاب والنباتات الطبية كذلك تحديد الآليات والجهات المسئوله عن هذا النوع من العلاج وعدم تركه للعطارين وغير المتخصصين وملاحقه المراكز والعيادات الغير مرخصه لهذا النوع من العلاج كما أنه يجب التنسيق مع وزارة الاعلام والقنوات الفضائية الخاصه لوضع ميثاق شرف للاعلانات فى هذا المجال وضرورة أن يكون هناك ضوابط عند إنتقاء الشخصيات التى تظهر فى الاعلام لتتحدث فى هذه المواضيع الطبية وطرق العلاج المختلفة والتأكد من أن تلك الشخصيات مؤهله طبيا للتحدث ووصف العلاج ى.
إننا فى حاجه لإعادة النظر فى التعامل مع قضية العلاج بالأعشاب ووضع حلولا جذريه للقضاء على العشوائيه فى هذا المجال وتقنين طرق العلاج ومنع المتاجره بالآم المرضى والتصدى بشده لكل من تسول له نفسه خداع المرضى بأوهام علاجيه غيرحقيقيه وغير فعاله .
شاهد أيضاً
د محمد الجوهري يكتب: عام دراسي سعيد
د محمد الجوهري يكتب: مع بداية العام الدراسي الجديد، يتزايد الحماس والقلق لدى الطلاب …