كتب – عبدالرحمن الصباغ باحث عراقي / فرنسا الكل سمع بإرتفاع درجات حرارة مناخ الأرض كنتيجة للأنحباس الحراري كما وأن الكل بدأ يتنبه للآثار السلبية المترتبة على البيئة والنشاط البشري.إن أحد هذه الآثار السلبية سيتمثل بإرتفاع مستوى سطح البحار والمحيطات في العالم كنتيجة مباشرة لذوبان ثلوج دوائر القطبين وإنحسار المساحات التي تغطيها
وكذلك تراجع الثلاجات وغطاآت الجليد الدائم في المرتفعات الشاهقة من جهة وزيادات قيم التبخر من جهة ثانية في المناطق المشمسة والمكشوفة بشكل خاص.إن إرتفاع مستوى سطح البحر سيتواصل على مدى العقود القادمة ولن تنفع الأجراءآت الوقائية الطفيفة من تعديل الصورة على الأقل في المدى المنظور إذ أن الكم المهول من السعرات الحرارية ونفاياها الملوثة الملقاة وبإزدياد مضطرد يوميا في الجو لايقابله في حقيقة الأمر سوى كلمات معسولة ووعود كاذبة ضررها أشد
من نفعها.فلقد أحرق الأنسان ,والغربي بصورة خاصة, على مدى المائة عام المنصرمة فقط من الفحم الحجري والنفط والوقود النووي وكلها تعود لمخزونات الطاقة الطبيعية المتحجرة, ما لم تستطع الطبيعة والبشر منذ أبونا آدم ولحد البارحة أن تحرقه على مدى ملايين السنين.أخرجها من باطن الأرض بعد أن ضلت مخبوءة فيها لعشرات الملايين من السنين ليحرقها وبأسرع من البرق فيسمم
ويلوث الدنيا ويسمم نفسه ولينفث في الفضاء كل هذا الكم الهائل من السعرات الحرارية .فعلى عكس ما يعتقده الناس بأن الحرارة تتبد بسرعة ضمن الفضاء الخارجي أثبتت التجربة بطلان هذه المقولة النظرية.أي أن كل مايضاف الى غلافنا الجوي من سعرات حرارية زائدة غير تلك الطبيعية الناتجة عن المصدر الشمسي والتي يتعامل معها كوكب الأرض كدورة بيئية طبيعية يتم استهلاك سعرا
تها من خلال الأنشطة البيئية المتعددة للنبات والحيوان وسائر بقية الأنشطة في حين تصبح السعرات الناتجة عن المخزون الطاقي المتحجر بكمياتها الهائلة في الجو والتي يصعب إمتصاصها من قبل المنظومة البيئية للارض سعرات زائدة عن الحد تخزن ضمن الغلاف الجوي وتؤدي بتفاقمها الى الأخلال بالدورات المناخية وتذبذبها تماما على صورة من يمرض بالبدانة نتيجة لتراكم الشحوم الضارة في جسده.نحن اليوم أمام كوكب مريض ولانستطيع أن نقول بأن الأمر لايعنينا .أحيانا يكون الأجراء لم نعهده من قبل أو لايمت بصلة لما في مخيلتنا من صور الطبيعة الخلابة لأرضنا .ولكن بالعودة للواقع بالتأمل بالنتائج يصبح الأمر مقبولا ومن ثم رويدا رويدا نتعود عليه فيما بعد.قلنا ان مستوى سطح البحار
في ارتفاعه بات يهدد شواطئ الدول والمدن والجزر والأراضي المنخفضة الساحلية لدرجة أنه قد يزيلها من الخارطة نهائيا وهو بالأضافة لذلك يهدد أيضا مناطق الدلتا النهريةالخصبة فيتلفها وكذلك مناطق دواخل مصبات الأنهار فيزيد من ملوحتها بدخول نشاط المد والجزر البحري الى مديات عميقة فيه.كما وهو سيغير من كيفية أداء هذه الأنهار وأحواضها بالتطمية ومن ثم الفياضانات إذ أن
إرتفاع مستوى سطح البحر يعني ارتفاع مستوى المصب وبالتالي ترافقه عمليات التطمية وخروجها عن مجاريها المعهودة خصوصا بالنسبة للأنهار الكبرى في مواسم الفيضانات التي ستزداد عنفا طرديا مع زيادة نسب ذوبان الجليد في منابعها وكذلك لزياة نسب التبخر ومن ثم الأمطار والسيول المفاجئة.هل يمكن تفادي هذه الآثار وإنقاذ الشواطئ مما هو قادم ؟ والجواب بكل بساطة نعم
ولا،نعم يمكن لبعض السواحل المحظوظة في موقعها الجغرافي ولا للسواحل المطلة على المحيطات والبحار المفتوحة .أي بعبارة أخرى يمكن إنقاذ تلك الشواطئ البحرية الداخلية كشواطئ الخليج والبحر الأحمر والأبيض المتوسط والبحر الأسود وغيرها من الشواطيء المشابهة بالظروف الجغرافية.والوسيلة سهلة نظريا وناجعة تماما عمليا ولكنها تتطلب جهدا وتعاونا كبيرا من الدول الساحلية لهذه البحار لأنجاح المشروع المشترك.والذي يتمثل حصريا بإقامة ثلاثة سدود
متينة الأول وهوأطولها عند مضيق هرمز- راس مسندم في الخليج والثاني عند مضيق باب المندب بوابة البحر الأحمر الجنوبية والثالث عند مضيق جبل طارق في مدخل البحر المتوسط الغربي.هذه السدود ستقوم بعزل هذه البحار الداخلية عن المحيطات وبالتالي عدم تأثرها بإرتفاع منسوبها وآثاره.وستتم معالجة نقصان منسوب هذه البحاركنتيجة للتبخر بمعادلته بكميات مساوية من المحيط
المجاور.أي بعبارة أخرى ستكون مستوى المحيطات أعلى من مستوى هذه البحار الداخلية.وستكون هذه السدود إضافة لأنقاذها تلك الشواطئ والمدن من الدمار بمثابة جسور إتصال بري يسهل من حركة الأشخاص والبضائع والألفة بين الشعوب.إن من محاسن إقامة هذه السدود هو التعاون المشترك بين الدول المعنية بسواحلها وهذا ما سيؤدي لفك العزلة والتعاون السلمي الأقليمي.إن إنشاء هذه السدود ليس بالأمر الهين ولكن التقنيات الحديثة وخصوصا تلك المستخدمة في الصناعة النفطية في عرض البحر وتقنيات إنشاء الجزر والشواطئ الأصطناعية وتقنيات السدودالبحرية لعزل الأراضي المنخفضة,وزد على ذلك توفر المواد الأنشائية الأولية بمقربة من مواقع السدود. من ناحية أخرى أن توزيع المهمة على العديد من الدول المشاطئة والفوائد المرجوة من المشروع سيجعل من هذه المهمة مقنعة وقابلة للتحقيق تماما .
عبدالرحمن الصباغ باحث عراقي / فرنس
خاص للمجلة العلمية اهرام