كتب : طريف سردست : العراق
يخطيء من يعتقد ان الفرد هو مجرد كائن واحد، إذ في الحقيقة لايستطيع الانسان ان يبقى على قيد الحياة طويلا بدون مساعدة بلايين الكائنات الاخرى في داخله. ذلك يعني ان الانسان في symbiosis وتعني حالة يكون فيها كائنات متعددة ( اثنين على الاقل) متعايشة حيوياً بمصلحة متبادلة، وهو بالذات حالة الانسان مع البكتريا التي لايستطيع الاستغناء عنها.
السيمبيوز هي الحالة التي اشار اليها علماء الاحياء على انها احدى المراحل في تطور الخلية الواحدة الى متعددة الخلايا ونجد اثارا لهذه المرحلة لدى العديد من الكائنات. وبنتيجة مرحلة الاعتماد المتبادل وترسخه اصبحت هذا التعايش جزء من الذات بحيث اصبح وجود كل طرف من اطراف المعادلة يعتمد على وجود الاخر، وغياب احدهم قد يؤدي الى موت الاخر.
ولكن من اين تأتي هذه البكتريا للانسان؟
الجنين في رحم امه يحصل على غذائه مباشرة من دم الام بواسطة المشيمة. ولكون الجهاز الهضمي للام يقوم بعملية تفكيك الطعام الى المواد الغذائية الاولية الضرورية فإن خلايا الجنين تحصل على حاجتها بدون حاجة لوسائط اخرى. غير انه بعد ولادة الجنين يصبح من واجب الجهاز الهضمي للطفل (المعدة والامعاء) ان يقوم بالعملية بطاقته الذاتية، حيث الطعام يتألف من الحليب. على الفور تبدأ الامعاء والمعدة بتقلصاتها وانتاج انزيمات وسوائل الهضم. غير ان ذلك وحده لايكفي.
التحدي الرئيسي الذي يقف امامه الوليد هو الحصول على مجموعة من البكتريا الضرورية لعملية الهضم والتي يصل عددهم الى 100 بليون مقسمة على 400 جنس تقوم بإستعمار الجهاز الهضمي وهي بكتريا لاغنى عنها. في الاصل تكون الامعاء عند الطفل معقمة تماما ولذلك فإن البكتريا الصحيحة يجب ان تصل الى الطفل عبر الفم. تنتقل البكتريا الى الطفل منذ اليوم الاول لولادته وتصبح المجموعة كاملة في الاسبوعين الاولين.
الملاحظ ان الاطفال الذين يولدون بعملية طبيعية عن طريق المهبل يملكون جميع اطياف البكتريا الموجودة لدى الام، في حين ان الاطفال الذين يولدون من خلال عملية قيصرية يحتاجون الى وقت اطول حتى تصبح امعائهم مُستعمرة من البكتريا ، غير ان البكتريا التي يملكونها تتشابه اكثر مع البكتريا الموجودة على جلد الام.
الاعتماد على الكائنات الاخرى ممكنا في عملية الهضم الحيوية، على مايبدو بسبب امتلاك جهاز مناعة يتطور بطريقة تسمح للبكتريا بالدخول والتموضع كجزء من جسم المُضيف. عندما لايزال الجنين في رحم الام يكون جهاز المناعة لديه لازال غير كامل النمو. الدفاع يحصل عليه الطفل من جهاز مناعة الام الذي ينتج كل ماهو ضروري لذلك.
على الفور بعد الولادة يحصل الطفل على الانتي اجسام من خلال حليب الام التي تقدم دفاعا كافيا. والاطفال التي لاترضع تصبح معرضة لاخطار هائلة. في خلال شهرين تقل كمية افرازات الام بأجسام الدفاع في حليبها ليبدأ جهاز المناعة لدى الطفل بفرز الاجسام الضرورية الغير متوفرة في الحليب ليبدأ بالتلائم مع بيئته الخاصة. بعد سنة واحدة يصبح جهاز المناعة عند الطفل قادر على انتاج جميع الاجسام المطلوبة والتحكم بها وتنظيم عملها كمجموعة واحدة عند ظهور العدو. تأخر هذه العملية لدى الاطفال سببها عدم الحاجة الفورية لجهاز مناعة مُعقد ويتطلب موارد كبيرة، ونظرة مختصرة الى مهام هذا الجهاز يعطينا فكرة عنه.
جميع انواع خلايا الدم، ومايحتويه من اجسام مضادة، تنشأ عن نوع واحد من الخلايا الجذعية في نخاع العظم
على مدى حياتنا نحتاج على الدوام الى كمية متجددة ومحددة من الخلايا الحمراء والبيضاء، والخلايا الجذعية في نخاع العظم تعطي يوميا مليار خلية.
الخلايا في نخاع العظم قادرة على الانشطار مرات غير محدودة، ولذلك فهم لاينتهون ابدا، ولكن بعد كل انشطار يقفون امام خيارات تحدد مستقبلهم: إما ان يكونوا خلية حمراء او يستمروا بمجموعة من التحولات ليصبحوا خلية من نوع خاص. عند حصول الاختيار لايمكن للخلية تغييره.
الخلية الليمفاوية الجذعية تقف امام خيارين:
اما T-lymfocyt or B-lymfocyt.
والاخيرة يمكن لها ان تتحول الى خلية بلازما، وكلاهما ينتمون الى منظومة مناعة الجسم لقتل الاجسام الدخيلة والخلايا السرطانية او لانتاج مضادات الاجسام.
في حين ان خلية جذعية من نوع ميلوديد Myeloid تتحول اما الى خلية حمراء او خلية مناعة من نوع granulocyt، او تتطور الى مونوسيت Monocyt والتي تستطيع الاستمرار بالتحول الى ماكروفاغ Macrofag الذي يقوم بإلتهام الاجسام الغير مرغوبة او يقطعهم الى قطع صغيرة او تصبح Megacaryocyt
التي تستمر بالتطور لتصبح Trmbocyt