أ.د/ دسوقي عبد الحليم
في المقال السابق تحدثنا عن الجانب العقلي والتحليلي في النباتات وما وهبها الله من نظام للتحكم يقع ما بين الجذر والساق. وفي هذه المقالة سنجيب عن الأسئلة الآتية هل النباتات تحب وتكره؟ هل تخاف النباتات؟ كيف تتفاعل النباتات مع بني البشر؟ هل النباتات لها قدرة عالية على التخاطر وقراءة الأفكار. أرسطو وهو رمز من رموز الحضارة الإغريقية القديمة كان يقول بأن النباتات تمتلك أرواح لكن ليس لها شعور أو أحاسيس، ولقد ظل هذا الاعتقاد هو المسيطر حتى القرن الثامن عشر، حيث جاء مؤسس علم النبات بشكله الحالي العالم “كارل فون لين”، حين أعلن بأن النباتات لا تختلف عن الحيوان والإنسان سوى في عدم قدرتها على الحركة. ثم تلاها العديد من الدراسات والأبحاث التي تشير الى حكمة وعقل ما موجود في النباتات.
في عام 1968 نشرت مجلة (International journal of parapsychology winter 1968 no.4) بحثاً أثار المجتمع العلمي والمهتمين والمتخصصين عن عواطف وأفكار وتخاطر النباتات، المذهل أن هذه الدراسة لم تجرى بأحد من المتخصصين المشهورين في علوم النباتات أو حتى عالم أصلاً، هذا الباحث كان” كليف باكستر”، شرطي متقاعد من مدينة “نيويورك”، كان يدير مركز للتدريب على استخدام جهاز “البوليجراف” (جهاز كشف الكذب). بداية التجربة كانت عام 1962، بينما كان السيد باكستر في مركز تدريبة على جهاز كشف الكذب، وهنا يقول باكستر في مقابلة مع مجلة (The Sun) – رابط المقابلة لمن يرغب في المزيد: https://www.thesunmagazine.org/issues/259/the-plants-respond): لا أعرف ما هو السبب وراء الفكرة التي خطرت لي فجأة لمعرفة كم من الوقت تستغرقه النبتة في عملية امتصاص المياه من جذورها مروراً بالجذع وصولاً إلى الورقة العلوية، قمت بسقي النبتة بعد أن وصلت إحدى الأوراق العلوية، عن طريق أسلاك، بجهاز البوليجراف، على طريقة G.S.R التي يمكنها استشعار درجة الرطوبة في النبتة. فكنت مقتنعاً بفكرة أن المياه التي تجري في عروق النبتة، سوف تصل بعد فترة إلى الورقة العلوية الموصولة بجهاز البوليجراف، وعندما تصبح الورقة مشبعة بالماء تزيد القدرة على نقل التيار الكهربائي، فيؤشّر الجهاز، وأستطيع حينها أن أعرف مدّة انتقال المياه من الجذور إلى الورقة العلوية.
وكانت المفاجأة المثيرة هي أنني في الوقت الذي قمت فيه بسقي النبتة، راح الجهاز، بنفس اللحظة، يرسم خطوط بيانية تؤشر إلى حالة ارتباك! مما يدلّ على ردود فعل نفسية! ، فتساءلت كيف يمكن لنبتة أن تعطي هذه النتيجة المشابهة لنتائج ردود فعل إنسانية ؟!. وخطرت لي فكرة تجعلني أتأكّد من خلالها أن هذه العملية ليست صدفة أو ما شابه ذلك، ففكرت بوسيلة أقوم بها بتهديد النبتة بالخطر، لأن هذه الوسيلة تسبب حالة “الخوف”، وهذه الحالة تعطي نتيجة دقيقة على مؤشّر الجهاز وقد حاولت لمدّة ربع ساعة، أن أحصل من النبتة على حالة “خوف”، عن طريق تغطيس أحد أوراقها في فنجان قهوة ساخن، لكن لم يحدث أي تجاوب أو ردّة فعل، فخطرت لي فكرة أخرى، سوف أقوم بحرق تلك الورقة!
فذهبت أبحث عن علبة الكبريت في مكتبي لكنني لم أجدها، وبينما كنت واقفاً، على بعد متر ونصف عن النبتة، أفكّر أين وضعت علبة الكبريت، لفت نظري جهاز البوليجراف الذي راح يرسم خطوط تشير إلى حالة هيجان، “رعب”!، في تلك اللحظة، لازال المنطق يسيطر على تفكيري، فأوّل فكرة راودتني هي أن المياه قد وصلت أخيراً إلى الورقة وأشبعت بدرجة عالية من الرطوبة، فأدى ذلك إلى تحريك المؤشّر، أو هل يمكن أن تكون النبتة قد قرأت أفكاري وعلمت بأنني أنوي حرق ورقتها ؟!. أردت أن أحسم الأمر، فذهبت إلى مكتب السكرتيرة وعدت بعلبة كبريت، لكنني وجدت أن مؤشّر الجهاز يتحرّك بشكل جنوني، (أعلى مستوى من الانفعال)! “حالة رعب شديد”! فعدلت عن رأيي حينها، حيث أنه لا يمكنني قراءة أي نتيجة على أي حال، بسبب حركة المؤشر المجنونة. لكن عندما وضعت علبة الكبريت جانباً عاد الجهاز إلى حالة هدوء تام!
في تلك الأثناء، وبينما كنت في حالة حيرة ودهشة، دخل شريكي في العمل، وأخبرته عن كامل القصّة، فقام هو بنفس التجربة، وكانت النتيجة ذاتها! عندما صمّم شريكي على حرق الورقة، راح المؤشّر يتحرّك بشكل جنوني! “رعب”!، لكن الغريب في الأمر هو أنه عندما كان يتظاهر بأنه سوف يحرق الورقة (وهو لا ينوي ذلك)، تبقى ردّة فعل النبتة طبيعية (لا يتحرك المؤشّر) !، أي أن النبات يستطيع أن يفرّق بين من يتظاهر بنيّة القيام بفعل ما، وبين من يصمّم على القيام بذلك الفعل! “إنه يقرأ الأفكار!”.
قام باكستر بعد هذه التجارب المبدئية وطورها من النباتات الى الميكروبات التي وجد ان موت مجموعة منها بجوار مجموعه أخرى يحزنها وان النباتات تتوتر وتطرب عند رؤيتها لشخص آذاها سابقاً فقد كان مؤشر الجهاز يسجل انفعالات رعب عند تواجد الشخص المؤذي في الغرفة التي بها هذه النباتات. ووجد أن المسافة بين النباتات والشخص لا تمنع التجاوب الفكري بينه وبين نباتاته المنزلية مهما كان بعيدا عنه بكيلومترات عديدة وذلك فقط بمجرد أن يفكر فيهم وانه في طريقه للمنزل وعندما يعود يرى جهاز كشف الكذب قد سجل انفعالات أفكاره على النباتات في ذات التوقيت الذي أرسل فيه تلك الأفكار. وتلقف الفكرة الاف الناس وجذبت العديد من القنوات التلفزيونية والصحافة العالمية وتم إعادة التجارب من قبل الكثيرين حول العالم، ورغم ذلك فما طرحة باكستر لم يكن ابدا مألوفا لدى الكثيرين. وقد أطلق الناس على باكستر اسم (الرجل الذي تحدث الى النباتات) وقد قام سنة 2003 بنشر كتاب تحت عنوان (Primary Perception: Biocommunication with Plants، Living Foods and Human Cells) ضم خبراته وأبحاثه على مدى 35 عاماً.
ويروي باكستر أنه ذات مرة أخرج ” بيضة ” من الثلاجة و أراد كسرها في طبق وإطعامها لكلبه، لاحظ حصول ردود أفعال غير طبيعية في جهاز البوليجراف الموصول بإحدى نباتاته المنزلية !. فأراد التعرّف على السبب فقام بوصل جهاز البوليجراف بالبيضة مباشرة ليعرف إن كان لها رد فعل ما. وبعد تسع ساعات، وجد ما لم يكن متوقع “البيضة واعية” وسجّلت إشارات محددة تتناسب مع نبضات القلب التي يظهرها أي جنين موجود في بيضة عادية بعمر ثلاثة إلى أربعة أيام خلال مرحلة الحضانة (أي 160 إلى 170 نبضة في الدقيقة الواحدة)، وبعد أن كسر البيضة وتفحّص محتواها وجد أنها خالية من أي بنية فيزيائية، ما وجده هو المحتوى العادي أي الزلال والصفار! فتوصل إلى أن هذه النبضات صادرة من قوة خفية لم يتوصل العلم إلى اكتشافها بعد، طاقة كونية غامضة. ويقول باكستر: لا يبدو أن المشاعر تتوقف عند المستوى الخلوي (الميكروبات) أو متعددة الخلايا (النباتات، الحيوانات، الانسان)، ولكنها تنخفض إلى المستوى الجزيئي بل والذري وربما وحتى لمستوى التحت الذرية.
وفي دراسات أخرى على ثمار فاكهة قطفت منذ فترة طويلة وجد العالم “مارسيل فوجيل” (https://en.wikipedia.org/wiki/Marcel_Vogel) أن ورقة النبات إذا قطفت من النبتة التي تنتمي إليها، تبقى محافظة على حالة وعي خاصة بها وأنها عندما تشعر بأنها سوف تتعرّض للطبخ أو التقطيع، تدخل بحالة إغماء (غيبوبة كاملة) لكي تتجنّب الألم الذي ينتج من هذه العملية! فيسجّل الجهاز فجأة حالة سكون ولا يعطي أي إشارة أو رد فعل من حبة الخضار أو الفاكهة قبل عملية التقطيع بفترة معيّنة، وفي جامعة “ساوث كاليفورنيا” الأمريكية، استخدمت طريقة GSR في التواصل مع النباتات. فتمت دراسة ردود أفعال النباتات تجاه أعمال مختلفة مثل: الري بالماء، الدفن تحت التراب، أو سماع الموسيقى، أو الغناء لها أو محادثتها أو غيرها من أعمال. واكتشفوا فيما بعد أن النباتات المجاورة (خارج قاعة الاختبار)، تظهر ردود أفعال مشابهة للنباتات الموجودة داخل القاعة، أي أنه يوجد نوع من التواصل بين النباتات.
مارسيل فوجل (1917–1991) كان باحثًا كيميائيًا كبيرًا في مختبر شعبة تطوير النظم المتقدمة في IBM في لوس انجلوس، كاليفورنيا. حصل على درجة البكالوريوس في الكيمياء من جامعة سان فرانسيسكو في عام 1940، وشارك في تأليف كتاب “لمعان السوائل والمواد الصلبة” (Wiley Interscience ، 1943). حتى عام 1957 عندما التحق بشركة IBM، كان رئيسًا ومديرًا للبحوث. قام “مارسيل فوجيل” بنفس التجارب التي نفذها “باكستر”، ولاقت جميعها النجاح، فتوصّل إلى استنتاج مثير يقول: إن هناك طاقة حياتية، قدرة كونية تحيط بالكائنات الحيّة، وتتقاسمها جميع الكائنات الحية بما فيها الإنسان. وقال: هذه الوحدة الكونية هي التي تؤدي إلى إمكانية وجود حساسية متبادلة تجعل هذا التواصل بين النباتات والإنسان ممكناً، وليس هذا فقط، بل تمكّن النباتات أيضاً من حفظ هذه العلاقة في ذاكرتها!”. تستطيع النبتة معرفة أي نوع من النمل الذي يسرق رحيقها، فتغلق المنافذ المؤدية للرحيق عندما تشعر بوجود هذا النوع من النمل في البيئة المجاورة! وتتفتح عندما يوجد كمية كافية من الندى على ساقها مما يشكّل عقبة في عملية تسلّق النمل، أما شجرة الأكاسيا مثلاً، فهي تكافئ نوع من النمل بالسماح له بتناول رحيقها مقابل خدماته التي تتمثّل بالدفاع عنها ضد الحشرات المؤذية وكذلك بعض الحيوانات العشبية التي تقترب من الشجرة! وأقترح مارسيل: أن النباتات تستجيب بشكل أفضل للأشخاص الذين شكلوا صداقة وروابط شخصية معهم.
أن هذه البحوث أثبتت للبشر أن أفكارهم وعواطفهم تؤثر على سلوك خلاياهم الحية وغيرها من الخلايا الحية. لقد عرفت الشعوب التقليدية منذ آلاف السنين أن جميع أشكال الحياة -النباتات والحيوانات وحتى الخلايا المفردة -ليست فقط حساسة وذكية، ولكنها تتواصل مع بعضها البعض. لقد ضاعت هذه الحقيقة منذ عدة قرون بين التركيز الأتوماتيكي للعلوم الصناعية والرؤية الإنسانية الحديثة للواقع التي أرجعت الوعي مطلقاً إلى العقل البشري فقط. قد تكون هذه البحوث فعلت في علم الأحياء وعلم النفس ما قامت به مفاهيم الكم في علم الفيزياء. لقد وثقت للترابط بين جميع أشكال الحياة وتفاعلها معاً في وعي جمعي لكل المخلوقات الحية وحتى الغير حية حتى المستوى التحت ذري.
يقول باكستر في كتابه المشار إليه: لم يعد بإمكان أي عالم عقلاني أن ينكر أن الأطعمة ذات المصادر الحية التي نعتمد عليها في غذائنا تتوقع أفعالنا وتدرك نوايانا وتتفاعل معها. لا يمكن لأي باحث طبي أو مدرب رياضي أو عالم نفسي تجاهل الأدلة التي تشير إلى أن أفكارنا تؤثر على نشاط خلايانا، وبالتالي على أداء أجسامنا. ونصح بالعمل بعزم وجهد في توظيف واستخدام الطاقة النفسية أو الصلاة في الشفاء وتجديد النشاط النفسي والجسمي.
أ.د/ دسوقي عبد الحليم
عميد معهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية
مدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية