كتب د دسوقى عبد الحليم :
هل الميكروبات ملائكة أم شياطين؟
========================
الإنسان ليس كغيره من المخلوقات، فقد ميزه الله جل شانه بالعقل والعلم، والحب والكره ومشاعر شتي قد لا تجدها في مخلوق آخر يدب علي وجه الأرض، وبالعقل والعلم أستطاع هذا الإنسان الضعيفة بنيته القصيرة قامته أن يروض من الحيوانات من هو أكبر منه حجما وأشد منه قوةً وبناينا. فقد نري طفلاً صغيرا لا يتعدى الخامسة أو السادسة من عمره يمتطي صهوة جواد يزن أضعاف وزنه أو رجلا نحيفاً هزيلاً يسوق مجموعة من الفيلة الضخمة، أو أحد لاعبي السيرك يلعب الشطرنج مع قرد أو حتى نمر أو أسد. ولا يفوت هنا صاحب عقل مفكر ونظر ثاقب أن يلحظ أن هذه الحيوانات كلها ما قام الإنسان بترويضها إلا لأنه بداية يراها أمامه رأي العين يلمسها بيديه يشتم راحتها بأنفه يسمع أصواتها بأذنيه وبدون مساعده من خارجه، ولآلاف وربما ملايين السنين لم يكن يدرك هذا الإنسان أن الكون مليء بل مكتظ بكائنات اصغر من قدرته المحدودة علي الإبصار لها أصوات اخفت مئات المرات من قدرته علي السمع وأحجام اصغر من أن تحتويها الأيدي أو تشمها الأنوف، أنها الميكروبات. عالم الميكروبات عالم واسع ومتنوع فهي تتواجد في أعمق أعماق المحيطات وأعلي أعالي الجبال وهي تعيش بالقرب من فوهات البراكين وبين طيات الجليد، إنها في الغذاء والفراش والماء والهواء وفي التربة وداخل أمعاء الإنسان. ليس ذلك فقط بل الميكروبات ترافق الإنسان والحيوان والنبات رفقة أبدية حتى بعد الموت. والحقيقة التي لا يعرفها كثير من الناس أن السواد الأعظم من الميكروبات لا تسبّب ولا يجب التعامل معها علي أنها عدو ليس له من فرصة للنجاة إلا الموت، فالميكروبات دخلت بكثافة وخاصةً في السنوات الأخيرة في الكثير من الصناعات وخاصةً الصناعات الغذائية والطبية والزراعية والصيدلية ومعالجة تلوث المياه والتربة وإنتاج الطاقة الحيوية، بناءاً على ذلك يحق لنا الآن أن نطلق علي السواد الأعظم من هذه الكائنات “الميكروبات الأليفة” إن المفهوم العلمي الحديث عن الميكروب يتجلى في كلمات العالم (بيرل مان) (1978م) وهو يصف الميكروب بأنه: (خير صديق ـ لا يكذب أبدا ـ أعظم ماكينة خلقها الله ـ خير مثال للصبر والجلد والعطاء ـ لا يؤذي الإنسان إلا إذا فشل الأخير في التعامل معه ـ يمكنه بناء أي مادة يريدها الإنسان ـ خير معلم للإنسان). أليس في هذا الوصف ما يزيد إيماننا بقدرة الله في خلق أدنى مخلوقاته؟. وهي مخلوقات تتمتع بذكاء وفطنة، فستدهش إذا علمت أن للميكروبات لغة تخاطب، ولكل جنس منها لغته الخاصة به، والأكثر دهشة أن بعض أفراد أجناس الميكروبات يعملون كمترجمين ينقلون لغة أجناس أخرى إلى لغة بني جنسهم، كما أن للميكروبات وسائل رائعة في الدفاع عن نفسها، وما المضادات الحيوية التي نستخدمها في علاجاتنا إلا أحد هذه الوسائل، كما أنها تسبح وتهاجر في أسراب كما يحدث في عالم الطيور والحيوان.