كتبت جودي خرفية – الجزائر
أثارت المخدرات الرقمية موجة جدل واسعة بما حوته من إشكاليات شائكة سواء من حيث القدرة على تحديد مجالات عمل المخدرات الرقمية وتأثيراتها الحقيقية وكذا الآليات القانونية الضامنة والضابطة لحماية المستخدمين الرقميين من كل المخاطر الرقمية المحدقة بهم، وهو الفضاء المنعدم حاليا والذي ينأى تماما عن أي قدرة على تحديد الأساليب الحقوقية والقانونية الفاعلة في مجال المخدرات الرقمية ومكافحة الظاهرة.
انزو بعيدا عن البشر… ابق وحيدا… أغلق باب غرفتك… أسدل الستائر…. ضع سماعات أذن… ها قد بدأت “رحلة النشوة” كما يصفها مسوقوا المادة المسموعة، هكذا تنطلق رحلة البداية مع المخدرات الرقمية وربما وعلى الأرجح ستكون النهاية أيضا، تعمل المخدرات الرقمية “Digital Drugs” وهي عبارة عن مقاطع موسيقية يتم سماعها عبر سماعات بكلا الأذنين، حيث يتم بث ترددات معينة في الأذن اليمنى، وترددات أقل إلى الأذن اليسرى ، فيحاول الدماغ جاهداً أن يوحد بين الترددين للحصول على مستوى واحد للصوتين، وهذا الأمر يجعل الدماغ في حالة غير مستقرة، على مستوى الإشارات الكهربائية العصبية التي يرسلها، وهو ما يدخل المستمع في حالة عصبية من الهذيان والارتجاف وقد تسوء الحالة العصبية أكثر ما يؤدي فعليا إلى هلاكه، وحسب المنظمة العربية للمعلومات والاتصالات فإن المخدرات الرقمية عبارة عن ذبذبات صوتية تتراوح أمواجها ما بين ألفا ثم بيتا و ثيتا وصولاً إلى دلتا. يؤدي الاستماع إليها لفترة طويلة إلى أحاسيس كالنعاس أو اليقظة الشديدة أو الدوخة أو الارتخاء أو الصرع والانزعاج.
يعتمد عمل المخدرات الرقمية على ما تم اكتشافه من خلال عمل الفيزيائي الألماني Heinrich Wilhelm Dove حيث استخدم عام 1970 طريقة علاجية لعلاج بعض المرضى النفسيين في حالات الاكتئاب الخفيف والقلق وذلك بعد رفضهم العلاج الدوائي حيث كان يتم تعريض الدماغ إلى ذبذبات كهرومغناطيسية تؤدي لفرز مواد منشطة كالدوبامين و بيتا أندروفين بالتالي تسريع معدلات التعلم وتحسين دورة النوم وتخفيف الآلام وإعطاء احساس بالراحة والتحسن. واعتبر موقع Psychology Today أنه يمكن استخدام هذه التقنية لعلاج القلق. وقد تم توظيف نفس الآلية في المخدرات الرقمية.
تقدم المخدرات الرقمية كملفات موسيقية يتم الترويج لها عبر عدد من المواقع الالكترونية المختلفة بالإضافة إلى تسويقها عبر بعض تطبيقات الهواتف المحمولة وحتى مع بعض البرامج التشغيلية كالويندوز والماك، الميزة في هذه المنصات التي تقدم المخدرات الرقمية أنها تقدم للمستخدم دليلا شاملا لطريقة التعاطي مع الملفات الموسيقية، وتشرح بدقة طرق الاستماع لها حتى تحقق الهدف المنشود ويبلغ المستمع الدرجة المطلوبة من النشوة وهو ما يؤدي تلقائيا إلى حالة الإدمان.
توفر المخدرات على المواقع الالكترونية التي تسوقها بعدة أسعار وجرعات حسب الشعور الذي تود الحصول عليه، هناك ملفات قصيرة طولها 15 دقيقة ومنها يصل إلى ساعة، كما أن هناك بعض الجرعات تتطلب منك الاستماع إلى عدة ملفات تمت هندستها لتسمع وفق ترتيب معين حتى تصل إلى الشعور المطلوب . وكما يقدم الموقع عينات مجانية يمكن الاستماع إليها وبعدها يتم طلب الجرعة الكاملة وتتراوح الأسعار ما بين 3 دولار لتصل إلى 30 دولار وأكثر، كما يتيح لك الموقع إمكانية تصميم نغمات صوتية خاصة تناسبك للوصول بك إلى الشعور المناسب، تتوفر على يوتيوب YOUTUBE عدة مقاطع تصل مدتها إلى ساعة أحيانا، وتأتي إضافة للذبذبات الصوتية مع مؤثرات بصرية أحياناً تتراوح بين الثابتة والمتغيرة تدريجيا للتأثير على حالة اللاوعي لدى الإنسان.
لا تعتبر المخدرات الرقمية امتدادا للتقليدية المعروفة من تعاطي الحبوب أو البودرة مع أن الكثير من أسماءها شابهت أسماء المخدرات الحقيقية مثل الكوكايين والهيروين والحشيش والترامادول ونبات البانجو، وكذا من حيث العمل على الجهاز العصبي للإنسان إلا أن المخدرات الرقمية تعتمد على توظيف التكنولوجيا الرقمية في عملية الاستحواذ والسيطرة على الجهاز الإدراكي للإنسان وهو ما يدخل هذا الإنسان في حالة من الإدمان الرقمي وهو إدمان على نوع من الأنواع الملفات الموسيقية سواء على المواقع الرقمية او عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهو ما يثير في الإنسان ردود فعل خارجة عن إرادته، تفرض ردود الفعل هذه استلزام توفر طقوس خاصة في عملية تلقي هذه الملفات الموسيقية عن طريق الأذن مركز التوازن العصبي لدى الإنسان.
تتمثل خطورة المخدرات الرقمية في قدرتها الفائقة على اختراق الجهاز العصبي والتشويش عليه، فهي تؤثر على الإنسان بشكل قد يوازى أو يفوق تأثير المخدرات التقليدية حيث تؤثر على التوازن النفسي بداخله وتجعله غير قادر على الاستغناء عنها، حيث يصبح المتعاطي للمخدرات الرقمية شخص انعزالي منطوي على نفسه مما يؤثر على قدراته على التواصل مع الآخرين، ويصبح غير قادر على العمل والإنتاج والتقدم فيتحول إلى إنسان محطم وضائع، أثبتت دراسات أن تأثير المخدرات الرقمية على التفاعلات الدماغية والعصبية في المخ شديد الخطر ويؤثر على الاتزان العقلي للإنسان مما قد يجعلها أشد خطرا من المخدرات التقليدية، ناهيك على غياب الردع القانوني الذي يحد من انتشار هذا النوع من المخدرات وهو ما يجعل هذه الظاهرة الأخطر التي تهدد مختلف شرائح المجتمع وأكثرها تهديدا هم فئة الشباب، وبغياب الردع القانوني والرؤية الواضحة لهذه الظاهرة وعتمة الصورة تشكل المخدرات الرقمية تهديدا حقيقيا على أمن واستقرار المجتمع، ما يؤدي على انحداره وتفككه وتحطم الكيان المجتمعي.
لقد اصبحت المخدرات الرقمية ظاهرة حقيقة وجب الإقرار بوجودها وضرورة تفعيل الآليات القانونية والأخلاقية الردعية والتي تحمي المستخدم إي كان سنه ووضعه القانوني، بالاضافة إلى ضرورة البحث المعمق في أغوار هذه الظاهرة والكشف عنها وعن مختلف التأثيرات الممكنة والتي من شأنها تقديم صورة اوضح واشمل للمخدرات الرقمية ما يسهم في تحديد سبل مكافحتها والحد منها.