كتب زكريا احمد عبد المطلب :
في عام 1948 كانت ولادة العلم الجديد السيبرنيتيك علي يد عالم الرياضيات الأمريكي نوربرت فينر (1894_1964) ، كعلم موضوعه الرئيسي هو دراسة التحكم والاتصال في الكائنات الحية والكائنات الاجتماعية والآلات .قوانين التحكم
والتحكم او الإدارة من منظور علم السيبرنيتيك هو “عملية التنظيم الأمثل لما تقوم به أي منظومة من أفعال مقصودة (غائية) ، بغرض توجيهها نحو الهدف المنشود منها”وقد زودنا علم السيبرنيتيك بالعديد من القوانين ، التي تساعد الإنسان علي التحكم في أفعال واقعه والسيطرة عليها ،
ويأتي علي رأس هذه القوانين قانون اشبي للتنوع اللازم ، وينص هذا القانون في_ أبسط صوره_ علي انه بقدر تنوع الأفكار التي ينتجها الإنسان وبقدر اصالتها وجدتها ، يتمكن هذا الإنسان من السيطرة علي مقدرات واقعه ،
ومن تطويع هذا الواقع لصالحه .ولقد مكن قانون اشبي الإنسان من إدارة الكيانات المعقدة الطبيعية او المصنوعة ، وفي السيطرة عليها ، بدءا من الآلات وانتهاء بالمجتمعات الإنسانية ومرورا بالتنظيمات التي يقيمها الإنسان من أجل مجتمع متقدم.
ولقد نجحت المجتمعات المتقدمة في تطوير الآليات التي تمكنها من إنتاج التنوع ، سوايا كان علي الصعيد المادي، كما يتمثل في تنوع السلع والخدمات،او علي الصعيد المعنوي ، كما يتبدل في تعدد الأفكار والرؤي .
ولقد كان الإخفاق في تطبيق متطلبات هذا لا قانون واحدا من أسباب الانهيار السريع للمجتمعات الشمولية ، التي حصرت تفكيرها في اتجاه وحيد ، واعتقلت رؤاها في ايدلوجيات جامدة لا تقبل الاجتهاد وترفض التطور.
نحن وقانون أشبي
“التحكم” كما يعرفه علم السيبرنيتيك ، هو الدور الرئيسي الذي تلعبه النخب المصرية سياسية او اقتصادية او ثقافية ، فهم بما يمتلكونه من عناصر قوة سياسية واقتصادية واعلامية،وما ينتجونه من رؤي وأفكار، يسهمون في تحديد مسار تنمية المجتمع المصري ،وتهيئته لملاقاة ما يطرحه علينا القرن الواحد والعشرين من تحديات ، وهنا يدفعنا قانون اشبي الي طرح التساؤل التالي ، “هل تنتج النخب المصرية رؤي أفكار متنوعه بالقدر الكافي لإدارة المجتمع المصري بفاعليه”والإجابة هي بالطبع لا .وترجع هذه الإجابة السلبية الي عديد من الأسباب ، التي من أهمها تضاؤال الدور الذي يلعبه “منهج التفكير العلمي” ،
وتزايد الدور الذي يلعبه كلا من “التفكير الخرافي” و “التفكير الانفعالي” في إنتاج الرؤي والأفكار ، أما السبب الثاني فهو تصاعد درجة “الإرهاب الفكري ” ، الذي يمارسه بعض القائمون علي شئون الدين.
وهكذا يكشف انا علم السيبرنيتيك ، عن جوانب جديدة لمغزي مفهوم حرية الإبداع ، أيا كانت اشكالها و مستويات فعلها، إذ بقدر ما يحرزه مجتمع ما من تنوع في الأفكار وتعدد في الرؤي ،
وبقدر قدرته علي إنتاج التنوع اللازم ، تكون فعالية مكوناته ، أفرادا ومؤسسات ، وتكون قدرتهم علي مواكبة مستجدات الواقع والتكيف معها . ولقد ما تتعدد أمامه الخيارات، تكون قدرته علي الحركة المستقلة.
المصدر
كتاب شوية علم من فضلك للدكتور السيد نصر الدين السيد.