كلمة وورقة عمل أ.د الهلالى الشربينى الهلالى أستاذ تخطيط التعليم ووزير التربية والتعليم والتعليم الفنى السابق بعنوان:
“دور التعليم في تحقيق التنمية وتوليد الثروة والقوة في عصر العولمة”
وذلك كمتحدث رئيس فى المؤتمر الدولى السابع لكلية التربية النوعية جامعة طنطا الذى انعقد فى الفترة من 24 – 26 مايو 2021 عبر تقنية الفيديو كونفرانس تحت عنوان:
“رؤى التعليم النوعى لتحقيق التنمية المستدامة عربيًا وإفريقيًا”
*********
❖ السيد أ.د محمود أحمد زكى رئيس جامعة طنطا ورئيس شرف المؤتمر
❖ السيد أ.د كمال محمد عكاشة نائب رئيس جامعة طنطا للدراسات العليا والبحوث
❖ السيد أ.د حمدي شعبان عميد كلية التربية النوعية جامعة طنطا
❖ الحضور المتميز من العلماء الأجلاء والباحثين النابهين من الجامعات المصرية والعربية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية أود أن أعبر عن خالص شكري وتقديري للجهد المبذول من القائمين على أمر هذا المؤتمر السنوي لكلية التربية النوعية بجامعة طنطا، والذي ينعقد هذا العام تحت عنوان: رؤى التعليم النوعى لتحقيق التنمية المستدامة عربيًا وأفريقيًا؛ حيث إنه يمثل أهمية خاصة في ظل وجود جائحة كوفيد 19التي تضرب مصر والعالم، وكذلك في ظل الجهود الحثيثة للدولة المصرية في تطوير منظومة التعليم الجامعي والعالى في مصر.
السيدات والسادة:
الكلمة التي سأقدمها أو بالأحرى الورقة التي سأعرضها بعنوان:
“دور التعليم في تحقيق التنمية وتوليد الثروة والقوة في عصر العولمة”
الحضور الكريم
إن وجود المعرفة يرتبط منذ القدم بوجود الإنسان، إلا أن المعرفة لم تتطور وتزداد قيمتها وتتعاظم فوائدها إلا بعد ظهور الإنسان المتعلم المبدع واتساع مداركه وفهمه لظواهر الكون والحياة وما ارتبط بها من ثورات علمية ومستحدثات تكنولوجية كان لها ولا يزال أكبر الأثر على حياة الإنسان؛ فالثروات كانت في باطن الأرض منذ آلاف السنين ، كما أن الشمس والرياح والأنهار كانت موجودة منذ بدء الخليقة ولكنها لم تستغل أو تتحول إلى طاقة إلا بعد ظهور ذلك الإنسان، ومن هنا تتضح أهمية مؤسسات التعليم بصفة عامة والتعليم الجامعى بصفة خاصة في تكوين رأس المال المعرفي، الذى يلعب الدور الأهم في تنمية الاقتصاد، وتراكم الثروات، وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة، ومن ثم الارتقاء بمعيشة الناس.
إن التعليم يمثل الأساس لتحقيق نقلة نوعية في الإنتاج، وتنمية اقتصادية شاملة، وتحول سياسي واجتماعي متوازن من شأنه أن يسهم في تحقيق حرية اتخاذ القرار واستقلاليته ؛ لتتبوأ الدولة مكانتها في مصاف الدول الناجحة، وهو في الوقت ذاته يمثل الضمانة الأساسية للحفاظ على منظومة قيم المجتمع في ظل تغيرات العصر المتلاحقة والمتسارعة، كما أنه يمثل موطن بناء شخصية الفرد القادر على التعامل مع تلك التغيرات، ومن ثم فتقدم المجتمعات يرتكز أول ما يرتكز على التعليم، بل ويتخذ منه قاطرة للتقدم، والتنمية ، هذا بالإضافة إلى أن العلم قيمة تمتاز بسمو الغاية، وشريف المقاصد، وعلو المرامي، ومن هنا فقد نص الدستور المصري الصادر عام 2014 في مادته التاسعة عشر على أن:
(التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مبادئ المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره، وفقًا لمعايير الجودة العالمية… والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقًا للقانون،….وتشرف الدولة عليه؛ لضمان التزام جميع المدارس، والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها).
السيدات والسادة
ِِلقد ظل العالم لسنوات طوال يعتقد أن التنمية والاستثمار الحقيقى هو الاستثمار في رأس المال المادى ، وكانت النظرة للتعليم تنحصر في كونه نوعًا من أنواع الاستهلاك الذى ينقص الثروة ، ولكن مع تتابع الثورات العلمية والصناعية والتكنولوجية والمعلوماتية وتطبيق مبادئ اتفاقية التجارة العالمية على الخدمات في عام 1995 تعمق فهم الاقتصاديين لموضوع التعليم واتضح لهم أن التعليم والمعرفة صارا سلعًا تباع وتشترى ، وأن الاستثمار في التعليم كسبيل لتكوين رأس المال المعرفى القادر على إنتاج المعرفة وتوظيفها بات يلعب الدور الجوهرى في زيادة الثروة والقوة، من منطلق أن المعرفة أصبحت هى الآلية الأقوى لتحقيق مستوى أعلى من القيم المضافة والميزات التنافسية، وأن من يمتلكها ويمتلك القدرة على توظيفها يكون هو الأقدر على الاختيار والقيادة واتخاذ القرار ، وتطبيق مفهوم حرية الأفراد والمجتمعات في الحصول على المعرفة من منظوره الخاص.
وفى ظل هذا التحول الهائل بات التعليم ورأس المال المعرفى يمثلان المكون الجوهرى لإحداث التنمية وتوليد الثروة والقوة، من خلال إعداد أجيال جديدة تتعامل مع المعرفة انتاجًا وتوظيفًا في إطار بيئات تتسم بالتمكين وعدم التهميش، وتُعلى من قيمة العقل البشرى والفكر الإنسانى والتفكير العلمى وقيم الحرية والعدالة والمساواة والديموقراطية والشفافية والمساءلة والحداثة والعقلانية.
ولم تعد تكمن قيمة المنتجات في المواد الخام المستخدمة ، ولا في قوة العمل ورأس المال المنفق ، ولكن في المعرفة التي تكمن في المنتج النهائي وتمثل المصدر الأول للإنتاج بدلاً من كل ما سبق، وبذلك يعد التعليم والمعرفة – اكتسابًا وإنتاجاً وتوطينًا وتوظيفًا – أداة وغاية للمجتمع ككل من منطلق أنهما قوة وثروة في آن واحد؛ فهما قوة بوصفهما المورد الأكثر أهمية في ظل ثورة المعلومات ، وهما ثروة بوصفها مورد أكثر أهمية من بقية الموارد الأخرى وكونهما الأداة الفاعلة في تكوين وإيجاد القيمة المضافة، وأنهما المورد الوحيد الذى لا يخضع لقانون تناقص الغلة، ولا تعانى من مشكلة الندرة باعتبارهما مورد يبنى بالتراكم ولا يتناقص بالاستخدام ، بل على العكس يمكن استخدامهما في توليد وتطوير أفكار جديدة بكلفة أقل أو بدون تكلفة إضافية .
الحضور المميز الكريم
إن العنصر الحاسم في القرن الحالي سيتمثل في الإنسان القادر على مواصلة التعلم وتوظيف ما يتعلمه، وأن المعرفة ستستمر في توليد الثروة والقوة ، وستصبح الأمة العارفة هي الأمة القوية الغنية أما الأمة التي تتخلف عن التنمية والاستثمار المعرفى فلن يكون هناك مفر من وقوعها في مخالب العولمة بما تتضمنه من قولبة ثقافية واقتصادية تجعل منها أسواقًا للاستهلاك أكثر منها أماكن للإنتاج، وفى هذا الإطار يصبح مفهوم التعليم والاستثمار المعرفى جزءًا من التنمية الاقتصادية من منطلق أن قيمة الموارد البشرية تزداد عن طريق الاستثمار فيها من خلال التعليم والتدريب نظرًا لما يمكن أن تحققه من معدلات نمو لا يمكن لأى نوع آخر من الاستثمار أن يحققها، ومن هنا يصبح رأس المال المعرفى لا يقل أهمية عن رأس المال المادي.
وقد كانت مؤسسات التعليم قبل توقيع اتفاقية الجاتس في عام 1995 تعتقد أنها بمنأى عن الأزمات والتحديات التي تعانى منها منظمات الأعمال باعتبارها ذات طبيعة مختلفة تبعدها عن تأثيرات السوق والمنافسة، هذا بالإضافة إلى كونها المصدر الذى ينتج المعرفة والعلم اللازمين لمواجهة مثل تلك الأزمات والتحديات التي ترتبط بقضايا مثل المحاسبية والتنافسية والتعلم مدى الحياة والمواءمة بين البحوث النظرية والمعملية والتطبيقية، ولكن الوضع بعد تلك الاتفاقية تغير ووجدت مؤسسات التعليم نفسها في عالم سريع التغير شديد التنافسية تطبق فيه مبادئ اتفاقية التجارة العالمية التي تطبق على السلع والتوريدات المادية، وأن جودة التعليم صارت تمثل ركيزة من الركائز الأساسية التى تقاس بها تنافسية الدول، كما أنها في ظل ترسخ مفهوم العولمة أصبحت تمثل برهانا على قدرة مؤسسات التعليم على التكيف مع البيئة المتغيرة لتحقيق ميزات تنافسية وقيم مضافة تمكنها من الدخول في معترك التنافسية العالمية.
الحضور الكريم
على سند من المرتكزات، السابقة وانطلاقًا من المسئولية التي تتحملها لجنة قطاع كليات التربية النوعية والاقتصاد المنزلى ، وعلى ما تقضي به المادة (19) من الدستور المصرى ، فإن موقفها لم يكن سلبيًّا أو متراجعًا أو محدودًا بل فاعلاً ومؤثرًا، وفى ضوء ذلك سعت اللجنة لتطوير البرامج الدراسية في هذه الكليات فى إطار عدم فصل البرامج التعليمية عن أهدافها، وعدم عزل المناهج عن بيئتها، مع استيعاب حقائق العصر، والتواصل مع الآخرين، ولم يعد متصورًا في هذا الإطار أن يكون لأحد حق الدفاع عن نظم تعليمية قائمة تخلفت عن حقائق العصر، ولم تعد تفي بمصالح المجتمع، بل يكون إنفاذ النظم والقواعد الجديدة لازمًا بقدر ضرورتها.
السادة الكرام الأجلاء
بالنظر إلى الاعتبارات المتقدمة تســتهدف الرؤيــة الاســتراتيجية للتعليــم في كليات التربية النوعية والاقتصاد المنزلى حتــى عــام 2030 التعليم والتدريب للجميــع بجــودة عاليــة دون تمييــز، فــي إطــار نظــام مؤسســي، كــفء وعــادل، ومســتدام، ومــرن، ويرتكز علــى المتعلــم والمتــدرب القــادر علــى التفكيــر، والمتمكــن فنيًّا وتقنيًّا وتكنولوجيًّا، ويســاهم أيضًا فــي بنــاء شــخصية الطالب المعلم المتكاملــة، وإطــلاق إمكاناتهــا إلــى أقصــى مــدى لمواطــن معتــز بذاتــه، ومســتنير، ومبــدع، ومســئول، وقابــل للتعدديــة، يحتــرم الاختــلاف، وفخــور بتاريــخ بــلاده، وشــغوف ببنــاء مســتقبلها، وقــادر علــى التعامــل تنافسيًّا مــع الكيانــات الإقليميــة والعالميــة.
إن الشُعَبَ والتخصصات المتعددة في كليات التربية النوعية والاقتصاد المنزلى تزيد من قدرة هذه الكليات على إجراء بحوث متخصصة في مجالات تعليمية محددة مثل تكنولوجيا التعليم والحاسب الآلى ، والإعلام التربوى والتربية الفنية والتربية الموسيقية ، والاقتصاد المنزلى والمسرح التربوى وعلم النفس التربوى، ورعاية الموهوبين، والتخطيط التربوي والإدارة التعليمية ، والمناهج وطرق التدريس، والأنشطة التربوية وغيرها من المجالات التي تمثل أولوياتٍ للدولة في مساعيها لتطوير التعليم وتحقيق معدلات أعلى من التنمية، ومــن المتوقــع أن يــزداد الطلــب على الخدمــات التعليميــة التي تقدمها هذه الكليات عندمــا يشــعر المواطنــون بالقيمــة المضافــة الحقيقيــة مــن العمليــة التعليميــة بها بعد تطوير الخطط والبرامج ، ومســايرة نظــم التعليــم والتعلــم بها للمعاييــر العالميــة.
فى ضوء ذلك يجب أن يسعى القائمون على هذه الكليات إلى مواكبة أولويات التطوير، بل وإلى استباق خطواته من خلال إعداد بحوث حديثة مبنية على دراسات عملية تقدم لصانع القرار حلولًا مبتكرة للمشكلات التي تواجه التعليم، النوعى وتُعَوِّق تحقيق أهداف التنمية المستدامة ، وحيث إن هذه الكليات تمثل مصانعًا لإنتاج الفكر واستهلاكه في تحقيق التنمية المستدامة على المستوى المحلى والإقليمى والدولى فإننى أرى أنها مطالبة بالمحافظة على ما لديها من رأس مال معرفى والعمل على تنميته من خلال دعم الموهوبين ورعايتهم وتطوير آليات لاكتشافهم ،
والواقع أن هذا الشيء لا يتأتى إلا من خلال قادة على درجة عالية من الوعى والفهم وإدراك الأهمية البالغة لإحداث التغيير من خلال أساليب ومداخل حديثة في الإدارة مثل الإدارة التحويلية والإدارة الاستراتيجية وغيرهما، واعتماد معايير للتميز والكفاءة والإبداع في إعداد الطلاب لمهام المستقبل، واعتماد مبادئ الديمقراطية وتكافؤ الفرص التعليمية، واعتماد مبدأ حرية التعبير والمشاركة في صناعة القرارات، وتقديم تعليم عال الجودة للجميع، ودعم تطوير التعلم عبر الإنترنت، وتسهيل التداول السريع للمعرفة العلمية، وبناء شراكات مع قطاع الأعمال والمجتمع المدنى، وتطوير نماذج أعمال جديدة حول الملكية الفكرية ، وإكساب المتعلمين القدرة على التعلم الذاتي، وتوفير مناخ داعم لتوظيف مستحدثات الثورة التكنولوجية في العملية التعليمية، وتطوير المناهج التعليمية بحيث تدفع الطلاب للاستكشاف والتأمل والتعلم الذاتي هذا بالإضافة إلى ربط المحتوى التعليمى بواقع المتعلم.
السيدات والسادة
إن هذا المؤتمر يعد فرصة حقيقية لتبادل الآراء، والخبرات حول القضايا التي يتصدى لها التعليم، النوعى ومناقشة الدور الآني والمستقبلي لكليات التربية النوعية والاقتصاد المنزلى؛ حتى تتمكن من أداء دورها في دعم صناعة القرار على الوجه الأمثل، وتحقيق أهداف تطوير التعليم بكفاءة وفعالية
السيدات والسادة الكرام
فى نهاية كلمتى لا يسعنى إلا أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لإدارة كلية التربية النوعية بجامعة طنطا ممثلة في عميدها النشيط أ.د حمدي شعبان والساد الوكلاء والسادة أعضاء هيئة التدريس، والشكر موصول لإدارة جامعة طنطا ممثلة في رئيسها المحترم أ.د محمود أحمد زكى والسادة نواب رئيس الجامعة والسادة العمداء.
وفقكم الله، وسدد خطاكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أ.د الهلالى الشربينى الهلالى
وزير التربية والتعليم والتعليم الفني السابق