بقلم : مهندس حسام محرم
مستشار حكومي سابقا (مصر)*
سألني أحد الأخوة الإعلاميين عن العوائد البيئية التي تكمن خلف قرار الحكومة المصرية بشأن إجراءات ترشيد إستهلاك الكهرباء، ومن بينها ترشيد إستهلاكات الإنارة في الميادين والطرق والمباني الحكومية ومن ثم خفض ٱستهلاك الغاز الطبيعي للتصدير إلي أوروبا بإعتبار ذلك مصدرا غير تقليدي لزيادة عائدات مصر من العملة الصعبة. ونظرا لحساسية ملف الطاقة في حياة أي مجتمع وإقتصادياته فقد دفعني الحرص علي الصالح العام ألا أكتفي بالتعليق علي الشق البيئي حتي لا يستغل تعليقي علي المنافع البيئية للقرار إلي تسويق قرار الحكومة والدعاية له علي حساب المصلحة القريبة والبعيدة للمجتمع والاقتصاد المصري، خاصة في ظل تاريخ سوء إدارة ملف الغاز الطبيعي والبترول في مصر منذ عقود طويلة وبالأخص منذ عهد مبارك وعبد الهادي قنديل وزير البترول الأسبق وماتردد عن تعاقدات مجحفة مع الشركات العالمية في مجال البترول والغاز، مما تسبب في نهب ثرواتنا لحساب شركات دولية ومسئولين مرتشين سهلوا الإستيلاء علي موارد الطاقة المصرية بدلا من الاستفادة منها في التنمية في مصر، وحرمان المصريين منها واستنزاف الموارد الطبيعية دون طائل. وهذا ما دفعني إلي النظر بشكل أعمق من الشق البيئي والنظر في كافة أبعاد القرار، وطرح بدائل أكثر منطقية وواقعية من قرار الحكومة.
ورغم أن القرار الحكومة ينطوي علي منافع بيئية للقرار ناتجة عن خفض إستهلاكات الكهرباء وبالتالي خفض إستهلاكات وقود الغاز الطبيعي في محطات توليد الكهرباء بهدف تحقيق وفر من الغاز الطبيعي وتصديره لأوروبا وزيادة مواردنا من النقد الأجنبي إلا أن المعيار البيئي والنقدي في هذه الإجراءات ليس هو المعيار الحاكم نظرا لأهمية مورد الطاقة في التنمية الاقتصادية ولتلبية إحتياجات والمجتمع والحفاظ علي مصالحه البعيدة وسلامته.
فعلي سبيل المثال، فإن فكرة تحقيق وفر من إنارة المباني والشوارع والطرق والميادين لن تحقق وفر كبير للتصدير حيث أن معدل تلك الوفورات ليس ضخما إلي الدرجة التي قد يتصورها البعض، في مقابل الأضرار الأمنية والاجتماعية الجسيمة التي قد تحدث بسبب خفض الإنارة في الشوارع والطرق والميادين، حيث أنه من المحتمل أن يكون ذلك الخفض علي حساب السلامة المرورية علي الطرق وتزايد معدلات الجرائم بسبب إنخفاض مستوي الرؤية، حيث أنه من المعروف عالميا تزايد معدلات الحوادث والجرائم طرديا مع مستوي الإنارة، فضلا عن أن بعض الطرق والشوارع ليس بها إضاءة كافية حاليا، كما أن بعضها ليس بها إضاءة بالكلية خاصة في الأقاليم والمناطق النائية والمهمشة.
ونظرا للفرصة الاقتصادية الكامنة لمصر ومنافسيها من جراء أزمة الطاقة الناتجة عن وقف تصدير الغاز الروسي إلي أوروبا، ورغبة الحكومة المصرية في الاستفادة من تلك الفرصة، فلابد من طرح أفكار عملية بديلة لقرار الحكومة، وأهمها من وجهة نظري البدائل الآتية :
– الإسراع في تنفيذ إجراءات تنمية حقول الغاز الطبيعي وزيادة إنتاج مصر من الغاز للتصدير، وذلك بإستثمارات أوروبية عاجلة وبإتفاقيات وتعاقدات عادلة وليس كتلك الإتفاقيات المجحفة التي فضحها وحاربها المناضل السفير إبراهيم يسري. ويمكن أن توجه تلك الاستثمارات إلي دعم إستغلال حقول الغاز وتنمية مرافق إنتاج وتسييل ونقل الغاز الطبيعي بما يتناسب مع ضخامة إستهلاكات بعض دول الإتحاد الأوروبي المتضررة من القرار الروسي. وفي كل الأحوال لا ينبغي أن يكون التصدير لتلك الدول الأوروبية علي حساب إحتياجات الصناعة والاقتصاد والمجتمع المصري، والتي ينبغي أن تكون لها الأولوية في الإنتفاع بمواردنا الطبيعية لأن المصريين هم المالك الأصيل لهذه الثروات، ولا يمكن تلبية إحتياجات شعوب وإقتصاديات أخري علي حساب مصالح المجتمع والإقتصاد المصري الأولي بموارده.
– الإتفاق مع الدول المتضررة في أوروبا علي تمويل مشروعات عاجلة لإنشاء “محطات لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة أمواج البحر وغيرها من الطاقات الجديدة والمتجددة” في مصر بنظام BOT بدون قروض لتحقيق منفعة للطرفين عوضا عن البدائل غير العملية المطروحة في قرار الحكومة التي ستكون علي حساب مصلحة المصريين.
– تلبية جزء من إحتياجات أوروبا من الطاقة في صورة طاقة كهربائية يتم تصديرها إلي أوروبا من خلال شبكات الربط الكهربائي، حيث أنه ورغم أن أوروبا تحتاج إلي إمدادات الطاقة في صورة غاز طبيعي، إلا أن هذا لا يمنع أن يتم تنويع صور الطاقة المصدرة لها، من خلال تصدير جزء منها في صورة طاقة كهربائية، بعد إجراء دراسة فنية وإقتصادية لهذا المقترح الذي يمكن أن يسهم في تعظيم القيمة المضافة بإعتبار الغاز الطبيعي أحد مدخلات عملية إنتاج الطاقة الكهربائية، بشرط دراسة الأبعاد الفنية لهذا البديل حتي لا يكون علي حساب السلامة الفنية لمحطات الكهرباء وعمرها الإفتراضي إذا تم تعريضها لأحمال أكبر من طاقتها التصميمية القصوي.
* المستشار الأسبق لوزير البيئة