بقلم أ.د.منار السيد عبد الرءوف. أستاذ كيمياء البوليمرات بمعهد بحوث البترول
يعتبرنهر النيل نهرا مقدسا عند أجدادنا قدماء المصريين الذين أدركوا أهميته منذ أقدم العصور، فاجتهدوا فى ابتكار طرق للإفادة من مياهه، وتنظيم الرى وحفر الترع لزراعة أكبر مساحة ممكنة من أرض الوادى واقامة السدود لتنظيم حركة المياه في النهرحيث كان النيل الأساس الذى اعتمدت عليه الحياة فى مصر القديمة. ويُعد الإله «حعبى» إله النيل عند المصريين القدماء. واعتبروه جالب السعادة. وأطلق المصريون القدماء على نهر النيل فى اللغة المصرية القديمة صفة «إيترو عا»، وتعنى «النهر العظيم». وتشير الأصول اللغوية لكلمة النيل، «نيلوس»، إلى أنها من أصل يونانى. وقد ابتكر المصريون طرقا متعددة لتنقية مياه النيل قبل شربها فصنعوا أواني فخارية لتخزين الماء فيها حيث تقوم الطبقات الفخارية بتنقية الشوائب من المياه وما زالت هذه الأواني معروفة ومستخدمة كالقلل القناوي والأزيرة (جمع زير). ويعتبر الفخار نوعا من أنواع الأغشية المسامية الصلبة. وقد عرف المصريون أنواعا أخرى من الأغشية كوضع طبقات من القطن وتمرير المياه منها للحصول على مياه نقية صالحة للشرب. كما عرفوا أيضا أن الفحم الناتج عن حرق المخلفات الزرعية يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتنقية الميا حين وضع في غلاف مسامي من القطن أو الكتان. وتعتبر هذه الأغشية البسيطة نواة لأغشية متطورة تمت صناعتها مؤخرا باستخدام خامات أخرى. وقد أوضح المهندسان المصريان -اللذين فازا بجائزة االشباب للإبتكار على مستوى الوطن العربي جمعة طوغان ووليد على- أن أقدم جهاز لتنقية المياه في العالم ظهر في جداريات مصرية قديمة بمقبرة أمينوفيس بطيبة ، وأن اختيار المصري القديم لزهرة “اللوتس “المائية شعارا للدولة جاء لما لها من فوائد في تنقية المياه حيث تنمو في المياه الضحلة بالقصور الملكية لتنقية المياه من معظم الملوثات وهو ما اكتشفه العلماء مؤخرا. وأضافا أن زهرة اللوتس قادرة على امتصاص الملوثات المختلفة داخلها بنسبة عالية جداً (1) كما استخدم المصريون أيضا بذور نبات المورينجا بعد طحنها في تنقية المياه. ويوجد طفرة عالمية حاليا في استخدم النباتات المائية لتنقية مياه الصرف الصحي. ومع أن نبات ورد النيل يتسبب في بعض المشاكل مثل اعاقة الملاحة النهرية، الا أنه أثبت كفاءة عالية في تنقية المياه من العديد من الشوائب. وقد اتجه العلماء الى تصنيع أغشية تتكون من متراكبات بوليمرية تعتمد على مواد طبيعية كالسليلوز الموجود بكثرة في قشور وسيقان النباتات النشوية والشيتوزان المستخرج من أغشية القشريات. أثبتت هذه الأغشية فعالية عالية في امتصاص أنواع عديدة من الملوثات العضوية وغير العضوية. ومع الزيادة السكانية المطردة والمشاكل المائية التي تلوح في الأفق، اتجهت الدولة الى معالجة مياه الصرف للوصول بها الى درجة نقاوة مناسبة للري لتحقيق خطة الدولة الطموحة في زيادة الرقعة الزراعية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. لذلك يعمل العلماء المصريون على البحث عن بدائل رخيصة ومتوافرة بيئيا لتصنيع أغشية وفلاتر لمعالجة مصادر المياه المتاحة مثل تنقية مياه النيل أو ازالة الأملاح من مياه الآبار أوتحلية مياه البحر.
ومن أشهر وأبسط وأسهل التقنيات المعروفة لتنقية المياه باستخدام الأغشية والمرشحات هي طريقة التناضح العكسي (Reverse osmosis) . يقصد بالتناضح العكسي تدفق جزيئات المُذيب -الماء في هذه الحالة- من خلال غشاء ذي ثقوب متناية الصغر وشبه نفّاذ انتقائيًا إلى منطقة أقل في تركيز المواد الذائبة مثل الأملاح. الغرض الأساسي من مرشّح التناضح العكسي هو إزالة الكائنات الحية الدقيقة والمواد الصلبة الذائبة الموجودة في الماء مثل المعادن والجزيئات العضوية الموجودة وأغلبها ملوثات سامة. وبالإضافة الى استخدام مرشحات التناضح العكسي في تنقية المياه المنزلية ، فإنها شائعة الإستخدام على نطاق أوسع بكثير في محطات معالجة مياه الصرف الصحي، ومحطات تحلية المياه، والنباتات التي تستخرج الملح من الماء، وتُستعمل هذه الطريقة أيضًا لتحلية مياه البحر وجعلها صالحة للشرب، وتمكن السفن في البحر من تنقية مياه البحر للحصول على مياه شرب عذبة. ومن الجدير بالذكر أن إعداد مرشح كهذا أمر يسير للغاية. فيدخل الماء من أنابيب المبنى أو أي مصدر آخر إلى آلة التناضح العكسي ويمر عبر مرشح مبدئي يوضع قبل الغشاء شبه النفّاذ ووظيفته حجز جميع الجسيمات الكبيرة، مثل الرواسب والأوساخ والصدأ الذي قد يأتي عبر أنابيب الماء. هذا المرشّح رخيص نسبيًا ويزيد من العمر الإجمالي لمرشح التناضح العكسي (2). بعدها يصل الماء إلى الغشاء شبه النفّاذ، المعروف أيضًا باسم غشاء التناضح العكسي. وهو غشاء متعدد الطبقات مصمّم بعناية، مصنوع من البوليمرات مثل البولي أميد والسليلوز أو الشيتوزان ويمكن تصنيعه من مواد طبيعية أخرى مثل الصوف والحرير. ولكن تُعد أغشية السليلوز هي الأقدم، إذ استُخدمت منذ عام 1955. ومن مميزات هذه االتكنوالوجيا أنها صديقة للبيئة تمامًا، فهي لا تخلّف الكثير من التلوث، ولا حاجة لاستعمال المواد الكيميائية في العملية.
من الشائع جدًا أن تدمج مرشحات التناضح العكسي تقنيات ترشيح إضافية مثل الفلاتر متعددة المراحل وتشمل نظام ترشيح إضافي مثل ضوء فوق البنفسجي مثبت. تطلق مصابيح الأشعة فوق البنفسجية المثبتة أشعة فوق البنفسجية، تقضي على جميع الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في الماء بإتلاف حمضها النوي وهذه المرشحات شائعة الإنتشار في المستشفيات.
المراجع:
- 1- جريدة أخبار اليوم، الإثنين 14 ديسمبر 2015.
- 2- موقع: أنا أصدق العلم، 30 ديسمبر 2020.