مصر والتغيرات المناخية “قراءة في استجابة مصر للحد من آثارالتغيرات المناخية”

بقلم م. مرام بشير احمد صدقي

“نحن بشرٌ نريد الشيء نفسه – ألا وهو مكانٌ آمنٌ للعيش على هذا الكوكب الذي نسميه وطننا. وبينما يجب أن يظل عملنا غير منحازٍ وموضوعيًّا ، نجد أننا نرفع أصواتنا على نحو متزايد، مضيفين إلى الرسالة الواضحة بأن التغيّر المناخي حقيقي وأن البشر هم المسؤولون، وأن الآثار خطيرةٌ و يجب علينا أن نتصرف الآن.” كاثرين هايهو،

 

يقصد بتغير المناخ هو التغيرات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، وبمعنى آخر فهي اختلال في الظروف المناخية المعتادة التي تميز كل مكان على الأرض، وقد تحدث هذه التغيرات بصورة طبيعية كالتغيرات في الدورة الشمسية والانفجارات البركانية وغيرها، لكن أصبح جليا أن البشر هم المسئول الأول عن ظاهرة التغير المناخي جراء حرق الوقود الإحفوري الذي يؤدي إلى الاحتباس الحراري أو انبعاثات غازات الدفيئة كثاني أكسيد الكربون والميثان، فالإفراط في قطع الأشجار يؤدي إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون كما أن مدافن القمامة هي مصدررئيسي لانبعاثات غاز الميثان.

و قـد سـجلت درجــات الحـرارة لسـطح الأرض زيــادة مطـردة خـلال المائــة عـام الماضـية تتــراوح بـين 5,0 – 7,0 درجــة مئويــة. حيــث أدت الأنشــطة البشــرية المتمثلــة فــي الثــورة الصــناعية والتكنولوجيــة إلــى زيــادة معــدل انبعاثــات غــازات الاحتباس الحراري وزيادة تركيزاتها بالغلاف الجوي.(1)

في حين أن هذه الزيادة في درجة الحرارة يشار إليها باسم الاحترار العالمي، إلا أن التغير المناخي هو المصطلح الذي يفضله العلماء، حيث أنه لا يشمل فقط متوسط ​​درجة حرارة الأرض المتزايدة، بل أيضاً التأثيرات المناخية التي تسببها هذه الزيادة.(2)

إن التغير المناخي لا يتعلق فقط بدرجات الحرارة المرتفعة، بل يشمل أيضًا أحداث الطقس الشديدة، وارتفاع مستويات البحار، وتغير تعداد كائنات الحياة البرية، ومواطن الحيوان والنبات الطبيعية، وطيفًا من التأثيرات الأخرى (3) ، وهذا يعني أن تداعيات وانعكاسات ذلك التغير ستكون في تزايد مستمر، ما بات يُهدد استدامة الثروات الطبيعية لاسيما غير المُتجدد منها، وكذلك مستقبل معظم الكائنات الحية على سطح الأرض بسبب الكوارث الطبيعية وانتشار الأمراض والأوبئة الناتجة عنها.

في هذا السياق، أصدرت لجنة المناخ التابعة للأمم المتحدة تقريرًا فى 9 أغسطس 2021 أكدت فيه أن مستويات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي باتت مرتفعة للحد الذي سيؤدي إلى اضطراب المناخ لعقود إن لم يكن لقرون قادمة.(4)

وتعد مصر من أكثر الدول المعرضة للمخاطر الناتجة عن تأثيرات التغيرات المناخية ، على الرغم من أنها من أقل دول العالم إسهاما فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى عالميا، بنسبة 0.6% من إجمالى انبعاثات العالم، طبقا للبيانات الوادرة بالإبلاغ الأخير لمصر حول حجم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، والذى تم فى إطار قيام مصر بتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ التى وقعت عليها مصر عام ‏1994، وكذلك بروتوكول كيوتو، الذى قامت مصر بالتصديق عليه عام ‏2005، ويتضمن تقديم تقارير الإبلاغات الوطنية من كل الدول الموقعة على الاتفاقية كل 5 أعوام.(5)

وقد نشرت الهيئه العامة للأرصاد الجوية المصرية، في أغسطس 2021، تقريرًا يُفيد بأن صيف 2021 قد شهد ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة منذ 5 سنوات، حيث سجلت الحرارة ارتفاعًا بمتوسط (٣-٤) درجات مئوية فوق المعدلات الطبيعية.(6)

لقد أظهرت الدراسات أن المناخ فى مصر قد تغير بشكل كبير خلال السنوات الماضية حيث تم دراسة لتوزيعات درجات الحرارة الموسمية فى مصر فى أعوام 2005، 2025، 2050، 2075، 2100، ووفقا للدراسة، فمن المتوقع أن درجات الحرارة سترتفع فى جميع الفصول الأربعة، والانتقال من الجنوب إلى الأجزاء الشمالية من مصر، خلال المائة عام القادمة مما سوف يؤدي إلي حدوث انكماش في مساحة الأرض الصالحة للزراعة وأيضاً حدوث تحول فى توقيتات الدورات الزراعية مما سيترتب عليه حدوث تغيير فى أنظمة إنتاج المحاصيل والتى ستكون تحت ضغط متزايد لتلبية الطلب المتزايد على الغذاء فى المستقبل وهذا سوف يؤدي بالتبعية إلي انخفاض مستويات البروتين فى بعض المحاصيل البقولية لهذا فقد قامت الحكومة المصرية بإنشاء المجلس القومي للتغيرات المناخية والذي سوف يقوم بدراسة وإقرار الحلول والمشروعات التي سوف تساهم في الجهود الوطنية للتكيف مع سيناريوهات تغير المناخ المتوقعة. (1)

إن مصر تواجه تحديات كبيرة في مواجهة التغيرات المناخية وتأثيرها على القطاعات المختلفة للدولة، كقطاع الزراعة والموارد المائية إذ يعد قطاع الزراعة هو الأكثر تأثرا بتغيرات المناخ والأكثر تأثيرا في الاقتصاد المصري، يعتمد قطاع الزراعة بشكل أساسي على حجم ونوعية الموارد الطبيعية المُتوفرة من تربة خصبة صالحة للزراعة ومياة عذبة للرى. وفي هذا الشأن، تعاني مصر بسبب موقعها الجغرافي من ارتفاع درجات الحرارة على مدار العام، ووقوع أغلب أراضيها في مساحات صحراوية جافة وشبه جافة، وأقاليم ذات ندرة نسبية في الأمطار، ما أدى لمحدودية مصادر الموارد المائية العذبة، والاعتماد الرئيسي على نهر النيل المسئول عن حوالي 97% من الاحتياجات المائية، والذي قد يتأثر منسوبه أيضًا باختلاف معدلات الفيضان السنوي. ووفقًا لما أعلنته اللجنة الدائمة لتنظيم إيراد نهر النيل بوزارة الرى والموارد المائية في 4 أغسطس 2021، يواجه نهر النيل ارتفاعًا في مستوى منسوبه، نتيجة تزايد الأمطار على دول المصب، ما يُنذر بإمكانية حدوث فيضانات في حال لم يتم اتخاذ الإجراءات الكافية لمواجهة تلك الأزمة.(7)

إذا لقد باتت آثار التغير المناخي محسوسة فعلا، لهذا لم يعد الاهتمام بقضايا المناخ ترفا بل إنه أمر حتمي وضروري إذ ينبغي وضع الخطط للحد من الآثار المترتبة على هذا التغير ومحاولة التكيف مع تلك الآثار بالإضافة إلى وضع خطط طواريء للمدن والمحافظات التي قد تتأثر سلبا بهذه التغيرات.

جاءت “الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050“، كواحدة من أهم قرارات المجلس الوطني للتغيرات المناخية، لرفع مستوى التنسيق بين كافة الوزارات والجهات المعنية في الدولة بشأن مجابهة مخاطر وتهديدات التغيرات المناخية، من خلال رسم خارطة طريق لأكثر السياسات والبرامج كفاءة وفاعلية في التكيف مع تداعيات تلك التهديدات، بما يضمن تحقيق تنمية اقتصادية مُستدامة.

وتتضمن أهداف الاستراتيجية ما يلي: (8)

 أ‌- تعزيز حوكمة وإدارة العمل في مجال التغيرات المناخية.

ب‌- زيادة المرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات المناخية.

ج- تحسين البنية التحتية لدعم الأنشطة المناخية.

د- تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة بما يرفع الوعي بضرورة التصدي لمخاطر التغيرات المناخية.

هـ- تعزيز شراكة القطاع الخاص في تمويل الأنشطة الخضراء (تبني الاقتصاد الأخضر) والصديقة للبيئة.

هذا علاوة على التعاون مع مؤسسات التمويل الدولية، لاسيما أن وزارة التعاون الدولي تطرح مشروعات تقدر قيمتها بحوالي 365 مليون دولار في إطار تحقيق الهدف الـ13 من أهداف التنمية المستدامة، والمعني بمسألة التغير المناخي في مصر]9[، ويُعتبر البنك الدولي على رأس قائمة مؤسسات التمويل الدولية التي تتعاون معها مصر في مجال مواجهة التغيرات المناخية، بالإضافة إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية واليونيسيف وغيرها من مؤسسات التمويل الدولية الأخرى.

تحرص مصر دائمًا على تنمية وتعزيز الجهود الإقليمية والدولية المشتركة في مجالات البيئة والمناخ، وذلك ليس فقط من خلال المشاركة، بل أيضًا عبر رئاسة العديد من المؤتمرات والمفاوضات واللجان المعنية بقضايا البيئة والمناخ سواء داخل أفريقيا أو خارجها بالتنسيق مع الأمم المتحدة. فمصر ستستضيف الدورة الـ27 من مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (COP 27) هذا العام 2022 ممثلة لتحديات وجهود وأولويات القارة الأفريقية في مواجهة أزمة التغيرات المناخية.

ختامًا، فمما لاشك فيه أن العالم أجمع يخوض معركة حامية الوطيس ضد طبيعة لا يمكننا تغييرها أو التدخل في طريقة سيرها لكن يكفينا على الأقل أن نحاول التكيف معها وتخفيف ما ينتج عنها من آثار سلبية.

ويمكننا القول إن الدولة المصرية تبذل جهودا ضخمة ومُتكاملة، سواء على مستوى المؤسسات أو السياسات، لمواجهة التحديات المرتبطة بتداعيات التغير المناخي، لكن تظل هناك حاجة لعدد من الإجراءات المُكملة، خاصة على مستوى البحث العلمي، وتنمية الوعي المجتمعي، وتفعيل دور المجتمع المدني كشريك ضروري في مواجهة هذه التداعيات.

المصادر:

  1. التغيرات المناخية وسبل مواجهة آثارها – تقرير عن جهاز شئون البيئة التابع لوزارة البيئة المصرية، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3fCLvCD
  2. حلا طه، تعريف التغير المناخي وأسباب تغير المناخ – موقع طقس العرب الالكتروني،24 مارس 2019، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3BZUOEk
  3. التغير المناخي – منظمة العفو الدولية، متاح على الرابط التالي: https://www.amnesty.org/ar/what-we-do/climate-change/
  4. “تأثيرات ملموسة للتغير المناخي على الزراعة في مصر”، نشرة «إنتربرايز»، 21 سبتمبر2021، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3AYiNRX
  5. مصر وقضية التغيرات المناخية – الهيئة العامة للاستعلام، 19 يونيو 2022، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3fAiHee
  6. “تأثيرات ملموسة للتغير المناخي على الزراعة في مصر”، نشرة «إنتربرايز»، 21 سبتمبر2021، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3AYiNRX
  7.  أشرف عبد الحميد، “مصر تعلن تزايد منسوب مياه النيل والسد العالي.. وهذا السبب”، العربية نت، 4 أغسطس، 2021، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3Csutx6
  8. ريهام العراقي، “البيئة تستعرض الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050″، جريدة المصري اليوم، 30 يونيو2021. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3ndXnLE
  9. محمد الدعدع، “مباحثات مصرية مع البنك الدولي لتمويل المشروعات الخضراء”، جريدة الوطن، 15 سبتمبر 2021. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3Do1GuP

عن Dr. Maisa Salah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.