البِلاستيك بين مِطرقة التَلوث وسِّندان الاعتماد على الوقود الأحفورى

البِلاستيك بين مِطرقة التَلوث وسِّندان الاعتماد على الوقود الأحفورى

 

Plastic between the Devil of Pollution and the Deep Blue Sea of Reliance on Fossil Fuels

 

إعداد

د/ عاصم عبد المنعم أحمد

أستاذ مساعد المعمل المركزى للمناخ الزراعى

مركز البحوث الزراعية 2023

البِلاستيك بين مِطرقة التَلوث وسِّندان الاعتماد على الوقود الأحفورى

تَوقَفْ لحظة وانظر حَولك سَتُدرك بلا شكٍ مدى اعتمادنا على البلاستيك فى كافةِ مناحى الحياة، أصبحَ البلاستيك جُزء لا يَتجزأ من حياتنا فى العقود الثلاثة الماضية، وفقاً لَتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة يُنتِج العَالم نحو 400 مليون طن من نفايات البلاستيك ذات الاستخدام الواحد سنوياً وهو ما يُمثل نحو (47% من إجمالى النفايات البلاستيكية) كما ويُشير التقرير ذاته إلى أن نحو 9% فقط من النفايات البلاستيكية يَتم إعادة تَدويرها فى جميع أنحاء العالم.

وتُشير التقديرات إلى أن كميات البلاستيك المُنتَجة منذ عام 1950 حتى 2015 بَلغت نحو 7.8 مليار طن. وتَعاظمت مُشكلة النفايات البلاستيكية بشكلٍ مُخيف ليس هذا وحسب بل أضحت فى مقدمة موضوعات الأجندة البيئية للقرن الحادى والعشرين كواحدة من المشكلات البيئية الهامة التى يَجب تَناولها بإهتمامٍ شديد بعد قضية تغير المناخ.

مراحل البلاستيك

مَرت الحضارة البشرية بالعديدِ من التغيرات بَدأ من الحجرِ إلى المعدنِ ومن المعدنِ إلى غير المعدنِ (البلاستيك)، يُعتبر العصر الحجرى هو المرحلة الأولى من الحضارة الإنسانية ثم تَلاه العصر البرونزى ثم جَاءَ العصر الحديدى وتَندرج هذه تحت لفظ معادن، أما اليوم فنحنُ فى عصر البلاستيك (غير المعدنى).

البلاستيك رخيص ومُريح وسَهل الإستخدام وبظهورهِ تَغيرت حياتنا فهو لا غنى عنه، إلا أن النفايات البلاستيكة تُمثل تَهديد حقيقى للكائنات الحية وخَاصةً المحيطات والأنهار. إشتُقت كلمة “بلاستيك” من الكلمة اليونانية “Plastikos” وتَعنى قادر على التشكيلِ أو التشكل، وبالنظر إلى التركيبِ الذرى للبلاستيك فإنه يَتَكون أساساً من الكربون والهيدروجين اللذان لهما رابطة قوية ويَصعُب كسرهما.

وبالطبع لا يَتَسبب الكربون أو الهيدروجين كعناصر فردية فى حدوث مشكلة بيئية ولكن تَتَمثل المُشكلة فى الارتباط بينهما مما يَجعل البلاستيك غير قابل للتحلل البيولوجى ويُسبب التلوث للبيئة، فهو أمر مُشابه لكيفية عدم تَسبب الكربون والأكسجين بشكلٍ فردى فى حدوث أى مشكلة بيئية ولكن عندما يَجتمعا معاً لتكوين ثانى أكسيد الكربون فإنه يُسبب الكثير من المخاطر البيئية.

ومن المعلوم لدى البعض أن للنباتات قدرة استثنائية وفريدة على تَفكيك الرابطة بين ذرات الكربون والأكسجين فى غاز ثانى أكسيد الكربون وهى الطريقة الطبيعية للتَخلص من ثانى أكسيد الكربون الزائد فى الهواء.

لكن لسوء الحظ لا يوجد نبات أو حيوان أو بكتيريا لديها القدرة على تَفكيك الروابط بين ذرات الكربون والهيدروجين لمونومر البلاستيك، الأمر الذى يَجعل البلاستيك ليس فقط غير قابلٍ للتحلل البيولوجى ولكنه يَستمر للأبد تقريباً.

وبفضل ما حاباه الله عز وجل للبشرية من وجود الآليه الطبيعية للسلسلة الغذائية (Value chain) وأهميتها فى أن كل شئ فى الطبيعة يَتم استهلاكه فلولا ذلك لتَكدست المخلفات وفسدت الأرض، إلا أن الطبيعة ليس لديها نفس الآليه لاستهلاك المُخلفات البلاستيكية ولأول مرة أصبحت مسئولية ادارة النفايات البلاستيكية تَقع على عاتِق البشر أنفسهم، وبدلاً من أن نَهتم بهذه المشكلة الخطيرة للغاية يَتَخلص الناس بطريقةٍ عشوائية من المُخلفات البلاستيكية، فألقى الناس النفايات البلاستيكية فى الشوارع والمناطق الصحراوية والجبلية وخَلقوا جِبالاً من القمامةِ فى ضواحى المدن الكبرى بل صَّدروا النفايات البلاستيكية إلى البلدان النامية كالصين وأندونسيا وغيرها للتَخلص من النفايات، وعندما مَلأت النفايات البلاستيكية كل شبر فى بقاعِ الأرض تم إكتشاف مكباً جديداً يُغطى ثلثى كوكب الأرض ألا وهو المحيطات.

قدم ألكسندر باركس أول بلاستيك من صنع الإنسان فى العالم بعام 1862 وأُطلق عليها السليوليد أو “باركيسين” فى معرض لندن الدولى وتم تَسويقه كبديل للعاج إلا أنها لم تَلق قبول كبير أنذاك، وفى عام 1916 بدأت شركة السيارات المشهورة رولزريس استخدام مادة فينول فورمالدهيد فى السيارات من الداخل. وإجمالاً ظَهرت الإكتشافات الرئيسية فى عالم البلاستيك خلال الحرب العالمية الأولى والثانية حيث تم إكتشاف السيلوفان فى عام 1913  ثم البولى فينيل كلوريد فى عام 1927 ، والبوليسترين والنايلون فى عام 1938 والبولي إيثيلين فى عام 1942.

يَتم تَصنيع البلاستيك (98- 99%) من الوقود الأحفورى، إلا أن اقتصاديات البلاستيك تَتَغير مرة أخرى مع تَحول الطاقة والنقل بعيداً عن الوقود الأحفورى، ويَبدو أن البلاستيك للعديد من مُنتجى النفط والغاز يُمثل إحدى الفرص القليلة لمواصلة النمو والاستمرار حيثُ تَقوم بعض المصانع الضخمة الجديدة مثل قاعدة تشوشان جرين للبتروكيماويات فى الصين بتحويل النفط الخام مباشرةً إلى مواد كيميائية وبلاستيكية بدلاً من المنتجات الثانوية للتكرير، وهو الأمر الذى يُنذر بخطرٍ جم إذا ما استَمر إنتاج البلاستيك فى الولايات المتحدة والصين وغيرها من الدول الصناعية فى النمو مع استمرار مشاريع الصناعة، وبحلول عام 2030  من المُحتمل أن يَتفوق انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون من تَحويل النفط الخام الى بلاستيك على الإنبعاثات القائمة لمحطات الطاقة التى تَعمل بالفحم.

تَنبأت العديد من دول الشمال منذ ثمانينيات القرن الماضى بالعواقب غير المقصودة التى لا هوادة فيها لإستخدام البلاستيك على المدى الطويل وبَدأت فى معالجة الأمر بوتيرةٍ بطيئةٍ من خلال اعتماد تَدابير قانونية أو أدوات أو إجراءات عقابية لتَقليص توزيع واستهلاك البلاستيك داخل هذه الدول. حتى أن بعض هذه الدول شَرعت فى تَصدير هذه النفايات مثل أمريكا واليابان وكندا… الخ الى بعض البلدان النامية مثل الصين واندونيسيا وغيرها، فعلى سبيل المثال استوردت الصين نحو 7 مليون طن من النفايات البلاستيكية سنوياً حتى ما قبل عام 2017 (95% من المخلفات البلاستيكية بالاتحاد الأوروبى بالاضافة إلى نحو 75% من المخلفات بالولايات المتحدة تُصَدّر إلى الصين) تليها دول ماليزيا واندونيسيا بكميات قليلة.

وتَنبهت بعض من هذه الدول النامية إلى مَغبة فعلها السئ هذا فعلى سبيل المثال فى فبراير 2017 أعلنت الصين عن مبادرة السيف الوطنى (National Sword) والتى حَظرت استيراد 24 سلعة قابلة لإعادة التدوير وتَحد من مستويات التَلوث المسموح بها فى البالات البلاستيكية والورق المُختلط المُستورد وسيَتم إنفاذ القانون اعتباراً من يناير 2018.

عقب تَنفيذ هذه المبادرة استيقظ الأثرياء على بعضِ الحقائق القاسية أن لا أحد يُريد هذه النفايات البلاستيكية، كل لديه ما يَكفى من المُخلفات خَاصةً بعد أن تم إبعاد سفن شحن النفايات البلاستيكية من العديد من البلدان الأخرى مثل ماليزيا أو إندونيسيا بعد ما سَببته من تلوث وتَخريب للبيئة بهذه الدول.

ماذا علينا أن نفعل؟

من الأهمية بمكان ترك مبادئ الإقتصاد الخطى فى هذه الصناعة الضخمة والإنتقال فى أسرع وقت مُمكن إلى الاقتصاد الدائرى مع تَسريع الانتقال إلى اقتصاد بلاستيكى دائرى يَجب أن يعمل أصحاب المصلحة مع مجموعة مُتنوعة من المنظمات (دولية- إقليمية- محلية- مجتمع مدنى- حكومية- غير حكومية- تعاونية الخ) جنباً إلى جنب حيثُ لا يَزال النهج الحالى لمعالجة النفايات البلاستيكية عالمياً وخاصةً فى قارة أفريقيا غائب وغير مُنسق بشكلٍ كافٍ. فالحكومات بوجهٍ خاص على مستوى القارة الأفريقية تَحتاج إلى بَذل المزيد من الجهد لتَوفير البنية التحتية المُلائمة للتحول إلى الاقتصاد البلاستيكى الدائرى مع المزيد من الدعم وتقديم الحوافز للشركات العاملة بهذا القطاع والعمل على تغيير العادات الاستهلاكية للمجتمعات داخل القارة الأفريقية وتَوسيع سوق المنتجات البلاستيكية الدائرية.

 

المراجع

  • Philippe Chalmin, “The history of plastics: from the Capitol to the Tarpeian Rock”, Field Actions Science Reports, Special Issue 19 | 2019, 6-11.
  • Global Online Training: Strategies to End Plastic Pollution materials- Centre for Science and Environment, December

عن محمد الأمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.