في علاقة الإنسان بالبيئة، ثمة مسائل عدة لها أهميتها، أولها:
أنه أستطاع أن يستغل مصادر حفرية للوقود هي الفحم والبترول، وبذلك أصبح يحرق مواد كربونية أكثر بكثير من قدرة النظم البيئية على الاستيعاب.
ونتج عن ذلك تزايد مضطرد في أوكسيد الكاربون في الهواء الجوي.
وثانيها: أن الصناعة أصبحت قادرة على إنشاء مركبات كيميائية طارئة على النظم البيئية غريبة عليها أي ان التحولات الطبيعية في دورات المواد غير قادرة على استيعابها لأن النظم البيئية لا تشتمل على كائنات قادرة على تحليلها وإرجاعها الى عناصرها الأولى كما تفعل بالمركبات العضوية الطبيعية.
وثالثها- إن الإنسان أصبح يعتمد على مصادر حفرية غير متجددة، بالإضافة الى المصادر المتجددة.
والواقع، أن الإنسان استغل الثروات الطبيعية والمعادن والمياه والتربة استغلالا خاطئاً، وحتى جائراً ومتعسفاً ضحيته الأولى والأساسية البيئية، في بادئ الأمر.
وكان الهدف من استغلاله البشع للثروات هو توفير الرفاه المادي والمعنوي له، ناسياً أو متناسياً بأنه جزء من البيئة ومصيره مرتبط بمصيرها. فنجم عن تحقيق هدفه المذكور هو الإضرار ببيته أولاً، وبغذائه وصحته وصحة وحياة أطفاله ثانياً.
ولعل من أبرز التعديات التي اقترفها الإنسان بحق بيئته ومن ثم صحته وحياته، هي الحروب وما سببته من قتل ودمار وخراب.
ثم الاستخدام العشوائي النهم للتقدم العلمي والتكنولوجي على حساب البيئة، مهملاً البعد البيئي في الصناعة والزراعة والإنشاء،
وما نجم عنه من تلوث بيئي خطير. ولليوم يعيش العالم نتائج الانفجار السكاني ومعدلات النمو السكاني المتجاهلة لمحدودية المصادر،
وما أدت إليه من نقص في الطاقة، والغذاء، والسكن اللائق، والعناية الصحية، نتيجة للاستنزاف الصارخ للمصادر الطبيعية الذي بلغ حد تجاوز حق الأجيال القادمة في هذه المصادر.
إن الاستنزاف بالمفهوم العلمي يعني استغلال الموارد الطبيعية الى درجة النفاذ، بحيث يكون معدل الفاقد من هذا المورد أكبر من معدل المتجدد أو الوارد إليه.
وهذا ما يحدث في حالة الغابات، مثلاً، حيث يتم قطع الأشجار بسرعة أكبر بكثير من معدل النمو السنوي، مما يؤدي الى زوال هذه الغابات، وبالتالي الى حدوث مشاكل بيئية عديدة كالتصحر، وانجراف التربة.
ومن أسباب استنزاف الموارد الطبيعية سوء استخدامها بصورة عشوائية وبأساليب بدائية، مما أدى الى القضاء على وفرتها وفقدان بعضها القدرة على العطاء. فاستخدام الوسائل البدائية في التعامل مع التربة، أدى الى فقدها لخصوبتها وعرضها للجرف والتصحر.
كما أن الرعي الجائر وغير المنظم أدى الى استنزاف المراعي. كما أدى سوء استخدام وسائل الصيد الحديثة، والمبيدات والأسمدة الكيماوية إلى تهديد الحيوانات البرية، وانقراض بعض الأنواع. وتشير الإحصائيات الى اختفاء الكثير من الغابات والمراعي وانقراض اَلاف الأنواع من النباتات والحيوانات.
ويذكر أن معظم المصادر الطبيعية الحية هي متجددة طالما لم تتخط معدلات استهلاكها معدلات التجدد، بينما معظم المصادر الصلبة غير متجددة.
حيال ما أصاب هذه المصادر من استنزاف، يدعو المسؤولون عن استدامة هذه المصادر الى ضرورة استدامتها Sustainability
وهو ما يعني استغلالها بشكل حذر، ومنظم، لتغطي حاجات البشر دون الإضرار بالأنظمة البيئية الحية أو الإضرار بإمكانية توفرها أيضاً للأجيال القادمة.
وهذا يتطلب وضع سياسات لابد من ترجمتها الى أفعال بحيث تتضمن توضيح اثر استغلال الإنسان لمصادر الطبيعة واستنزافه لها والإجراءات المناسبة التي يجب اتخاذها للتقليل من هذا الأثر.
ويهدف موضوع استدامة المصادر المتجددة الى تحقيق توازن بين معدلات استغلالها ومعدلات تجددها. ولابد من البحث عن بدائل غير قابلة للاستنزاف لتحل محل المصادر غير المتجددة،
مثل استبدال الوقود الأحفوري بالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو طاقة الأمواج أو طاقة المد والجزر والطاقة الحيوية.
إن المعطيات والحقائق المذكورة تحتم على الإنسان أن يدرك بأن المحيط الذي يعيش فيه،
ويحدد له، ولغيره من البشر، شروط البقاء، يمتلك موارداً غير متجددة، ولها نهاية، مثلما لموارده المتجددة نهاية ايضا،
وستختفي إذا لم يحسن استخدامها ويواصل استنزافها. فالتتابع التاريخي لتزايد السكان يبين بأن هذا التزايد يسير في لولب تقصر حلقاته باستمرار، وسيصل في المستقبل المنظور إلى حد هائل يصعب معه توفير الغذاء ومتطلبات الحياة البشرية الأخرى لهذا العدد الهائل من السكان.
والنمو المتزايد في عدد السكان يمثل المشكلة الرئيسية للبيئة، فهو يحدث اَثاراً موجعة فيها، كما أن أثر أي مشكلة بيئية أخرى يتناسب بلا شك مع حجم الزيادة في عدد السكان. والتلوث البيئي يعد اليوم من أخطر المشكلات البيئية المعاصرة في العالم وقد أدى الى كوارث بيئية وبشرية لا تعد ولا تحصى.
وإن صحة وحياة الإنسان ورفاهيته وتقدمه ترتبط وثيق الارتباط بمصادر البيئة وصحتها. من هنا فان الحفاظ على البيئة يعد جزءاً أساسياً لضمان استمرارية الحياة التي نعيشها. أما الحاق الضرر بها،
فمعناه تعريض أمن بقائنا للخطر والأجيال القادمة، وبالتالي فان قضية البيئة ومشكلاتها تعد إحدى القضايا الأساسية التي تحكم سياسات القوى الدولية،
سواء من حيث السيطرة على الموارد، أو ضمان محيط سليم للحياة البشرية، وهذا ما جعل مشكلات البيئة، التي كانت في السابق تبدو كمشكلات يمكن التعامل معها محليا، جعلها أزمات بالغة الصعوبة والتعقيد،
وذلك جراء تقاطع المصالح بين وحدات النظام الدولي الساعية لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب على حساب الوحدات الأخرى. وهذه الأهمية للبيئة تبين الارتباط بين البيئة والأمن الدولي،
فالضغط البشري على البيئة أحد القضايا الأساسية التي يتبلور في إطارها الأمن الدولي، وبالتالي فإن البيئة بحق هي قرض الأحفاد للأجداد مما يستوجب الحفاظ عليها حتى يسترد الأحفاد حقوقهم في بيئة نظيفة آمنة.
الأستاذ الدكتور/ مجدي فاروق السماحي
أستاذ النانوتكنولوجي ووقاية النبات – معهد بحوث وقاية النباتات – مركز البحوث الزراعية
رئيس فرع الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة بكفر الشيخ
عضو لجنة أخلاقيات البحث العلمي بجامعة كفر الشيخ