امحمد أعمر _المغرب
تشتهر بلاد سوس في المغرب بمدارسها العلمية العتيقة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، وهذه المدارس تختلف تماما عن المساجد أو “المآسيد” المنتشرة في معظم أنحاء المغرب، كما أنها تختلف عن المساجد المنتشرة في دوارات منطقة سوس.
أقيمت المدارس العتيقة على مساحات ومرافق واسعة مثل غرف الصلاة وأماكن تحفيظ القرآن الكريم والعلم بالإضافة إلى قاعات استقبال كبيرة وواسعة لاستيعاب أعداد كبيرة من المصلين والطلبة والزوار. كما تم بناء عدد كبير من الغرف بالداخل لاستيعاب الطلاب. وهذه المدارس هي كالجامعات ا ومؤسسات التعليم العام. تقوم على، التربية وتكوين الأطر في المجالين الديني والعلمي، وتكون هذه المدارس جامعة، أي توحيد ودمج وتربية جميع أفراد القبيلة.
بعض هذه المدارس أسسته قبيلة أو مجموعة قبائل، تجمعها في الغالب روابط القرابة والدم والنسب والنسب، وبعضها الآخر أنشأه عدد من العلماء والمعلمين المشهورين بالعلم أو على يد شخصيات فكرية أو دينية ، بدعم ومباركة القبيلة. وطبعاً تم بناؤها كما ذكرنا أعلاه لاعتبارات دينية واجتماعية، ولتحقيق حلم مؤسسها سواء كان فرداً أو قبيلة، وهو حفظ القرآن ونشر العلوم الشرعية واللغوية وكذلك الأدبية ،والمعرفة الكونية.
وتشتهر معظم مدارس سوس خارج حدود المنطقة والبلاد. ويمكن للطلاب العلم من جميع أنحاء العالم ومن مختلف البلدان والمناطق أن يحجوا إليها لدراسة القرآن والفقه والشريعة، للاستقاء من منابعه التي لا تنضب، واستيعاب أخلاق علمائه وفقهائه. وكان كل طالب في المدرسة العتيقة يحمل لقب “الطالب”.
أما فيما يتعلق بتمويل هذه المدارس، فتنعكس مواردها في العشور والتبرعات والعطايا التي تقدمها لها القبائل والعائلات، لإطعام الطلاب، ودفع أتعاب الفقهاء ، والحفاظ على دورها. في نشر العلم وتعزيز الفقه وأصوله.
لذلك بعد انتهاء القبيلة من بناء المدرسة ستقوم القبيلة بتمويلها من خلال توفير بعض المحميات للمدرسة مثل الحقول، وبعض الأشجار المثمرة… وتقع هذه المحميات عادة بجوار المدرسة العتيقة، حيث يستفيدون منها جميعا على مدار السنة. الشعير والحبوب وبعض أشجار الفاكهة، بالإضافة إلى العشور التي دفعوها. ويخرج أفراد القبائل الزكاة الذي يخرجونه في نهاية كل درس أو قطف ثمار، كما خصصت هذه المحاصيل الزراعية، بالإضافة إلى مساهمات المحسنين والزوار المستفيدين منها، لإطعام الطلاب والزوار على مدار العام، وأغلب المدارس العتيقة
أما الراتب أو الشرط الفقيه ومساعده فقد جمعته القبيلة بتقسيمه بالتساوي على عدد البيوت التي تتكون منها القبيلة.
وفي السنوات الأخيرة، تراجعت موارد معظم هذه المدارس بشكل كبير، خاصة في الحبوب والفواكه، بسبب قلة النشاط الفلاحي لدى معظم قبائل سوس وضمان إدارة وتشجيع العديد من القبائل لإنشاء جمعيات خاصة مكلفة بإدارة هذه المدارس. وتتولى هذه الجمعيات مسؤولية الإدارة العامة، بالاعتماد على التزامات “مشروطة” وأموال الزكاة التي تجمعها من أبناء القبائل، ومن مساهمات المحسنين والزوار، بالإضافة إلى المساعدات التي يقدمها أعضاء الجمعية أنفسهم.
لكل مدرسة عتيقة بسوس قواعدها الداخلية التي يجب على كل تلميذ في المدرسة اتباعها واحترامها. كبار السن والطلاب.
وبالإضافة إلى هذا القانون، ألزم الشيخ الفقيه الطلاب أيضًا باتباع العادات الموروثة، وهي ضرورة أداء الصلوات الخمس اليومية جماعة في قاعة الصلاة بالمدرسة، وقراءة الحزب – الراتب – في المسجد، صباحًا ومساءً ، الحضور إلى المدرسة بانتظام، واحترام الوقت المحدد، وعدم التغيب عن المدرسة إلا إذا كان هناك سبب وجيه واحترام وقت النوم، وهو تعظيم الأخلاق الحميدة وعدم وجود أي سلوك محرج يسبب الضرر للمدرسة والقبيلة.
وقد تخرج ولا يزال يتخرج من هذه المدارس العريقة كبار الفقهاء والعلماء والمسؤولين. وهم مسؤولون عن التدريس والخطابة والتوثيق والعدالة والقضاء والحساب في جميع مناطق المغرب وحتى في الخارج.