كتب : د/ طريف سردست : العراق
سنويا نستهلك عالميا، 156 طن سكر.. ذلك يعني ان كل شخص يستهلك نصف كيلو سكر اسبوعيا، تقريبا. بالطبع البلدان المتقدمة تستهلك حصة الاسد. في الولايات المتحدة يشكل السكر القادم من المشروبات الغازية والسكاكر والحلويات 20% من مجمل كمية الكلورات المستهلكة يوميا ومقدارها 445 كيلو كلوري للشخص الواحد، في اليوم.
الان يحاول العلماء البحث عن اسباب الانفجار في استهلاك السكر. كافة الدلائل تشير الى ان جسم الانسان يصبح مجنونا بالسكر ، بحيث نصبح مدمنين. والان يتوجه السكر ليصبح تهديد مباشر للصحة العامة للانسان.
السكر جزء طبيعي من الغذاء اليومي للانسان وسيبدو من الغريب ان كريستال السكر يحمل اضرار. التفسير، انه وعلى الرغم من الاستهلاك الواسع له، الا انه ليس مادة غذائية طبيعية للانسان. الى ماقبل بضعة بضعة الاف من السنوات كان الانسان يحصل على حاجته من السكر من الفواكه والثمار والعسل، وهذا النوع من الغذاء غير متوفر بكميات فائضة. على الاخص في
المناطق الباردة، وفي السابق كانت هذه الموارد غير متوفرة الا لبضعة اشهر في السنة. قبل حوالي 1500 سنة بدأ الانسان في زراعة قصب السكر بكميات كبيرة واستخراج السكر منها. في الواقع العرب هم الذين نقلوا السكر وفن صناعته الى اوروبا الجنوبية وشمال افريقيا عام 650. في القرن الحادي عشر نقل الصليبيون السكر معهم الى شمال اوروبا. في البداية كانت النخب هي التي تستهلك السكر كنوع من البهارات، ولكن بعد ذلك، وعلى الاخص بعد اكتشاف امريكا ونقل زراعة قصب السكر الى جزر الكاريبي، اصبح السكر جزء من الطعام اليومي بسبب زيادة الانتاج. عام 1965 جرى اكتشاف السكر الاصطناعي اسبرتام وفي عام 1969 جرى اكتشاف السكر الاصطناعي سيكلامات cyklamat محفز للسرطان، ولكن لازال مسموح الاستخدام في اوروبا.
السكر العادي الذي نستخدمه لتحلية الشاي يسمى سكروز sukros, ويتألف من تعشيق مركب الغولوغوز مع الفروكتوز. الغولوغوز والذي يسمى ايضا سكر العنب يوجد، على الاخص، على شكل نشاء في البطاطا والخبز والمعجنات والرز. والجسم، على مر عصور، تعلم التحكم بسكر الغولغوز ولايستدعي القلق.
وعلى الرغم من ان هذين النوعين من السكر متشابهان من الناحية الكيميائية نجد ان طريقاهما يختلفان بعد لالوصول الى الامعاء، حيث يتحللان. الغولغوز يذهب مع الدم الى جميع خلايا الجسم ليتحول الى طاقة والى الكبد والعضلات ليتخزن للاستخدام اللاحق.
الفركتوز يوجد بكميات محدودة في المواد الغذائية الطبيعية التي نتناولها مباشرة، والجسم يتعامل معه بطريقة مختلفة تماما. التعامل معه يجري في الكبد تحديدا، تماما مثل الكحول، ليتحول الى دهن، التي تخزن اما في الكبد او تذهب مع الدم حيث تتحول الى كوليسترول ليرتفع خطر الاصابة بأمراض القلب والاوردة الدموية او التخزن كدهن حول الاعضاء الداخلية للجسم. والتجربة تثبت ان هذا النوع يسبب السمنة بطريقة غير مباشرة من خلال الزيادة الكبيرة للشهية. ولايقف الامر عند هذا الحد: التجربة على الفئران اثبتت ان الحيوان يصبح مدمن وعند منع جرعة السكر عنه يصاب بأعراض Abstinence ssymtom.
التأثير على الكبد والخلية
في تجربة جرت عام 2011 برئاسة العالم الالماني Ian Bergheim من جامعة ستوتغارت اظهرت لنا الاضرار التي يسببها السكر فركتوز على الكبد عند الفئران. على مدى ثمانية اعوام ترك للفئران حرية الاختيار بين شرب الماء او محلول سكري قوي. بعد ذلك جرى دراسة الكبد لديهم، ليظهر ان الفركتوز سبب مضاعفة الدهون على الكبد ستة مرات. محلول السكر القوي ادى الى نشوء حالة ادمان اضطر جهاز المناعة، على اثرها، الى تركيز كمية كبيرة من الخلايا الطبيعية القاتلة تدعى cytotoxic T cell في الكبد . والفركتوز يملك تأثيرا جديا اخر، أنه يجبر الجسم على انتاج راديكال حر يقوم بتحليل البروتين والحامض النووي في الخلية. وفي دراسة اوكرانية عن المقارنة بين تأثير الفركتوز والغلوكوز على الخلية، من عام 2011، ليظهر ان الفركتوز يؤدي الى تسريع شيخوخة الخلية بحدود الضعف. الفركتوز يسبب الاضرار للبروتين ويضعف القدرة على االتكاثر ويقلل من فاعلية التبادل الخلوي.
الادمان على السكر اقوى من الادمان على المخدرات
السكر يحفز الاوهام اكثر من الكوكايين. هذا ماتوصلت اليه تجارب العالم الفرنسي Serge Ahmed من جامعة بورديوكس عام 2007. إذا ترك للفئران الاختيار بين شرب الماء او حقنة من الكوكايين فليس من العجب أن اغلبيتهم تختار حقنة الكوكايين، على الرغم من ألم الغرزة. ولكن عندما يجري تبديل الماء الى محلول السكر بنسبة 4% ، وهذا بالمناسبة نصف مقدار تحلية المياه الغازية، فإن غالبية الفئران، وياللعجب، تختار المحلول السكري وتترك حقنة الكوكايين. عندما اختارت الفئران الكوكاكيين على الماء بقيت في حالة خدران لمدة بضعة ايام. وبعد ان تعودت الفئران على الكوكايين جرى تبديل الماء الى محلول السكر لنجد انهم بعد بضعة اسابيع تحولوا الى تفضيل المحلول السكري على الكوكايين الذي ادمنوا عليه.
شرب المحلول السكري يؤدي الى زيادة الشرب
إذا ادمنت الفئران على شرب المحلول السكري فإن منعها عنه يؤدي الى مضاعفات تتشابه مع اعراض المدمني على المخدرات. ذلك ماظهر بنتائج تجربة العالم الامريكي Bartley Hoebel من جامعة برينسيتون في نيوجيرسي، عام 2002.
فئران التجربة حصلوا على الطعام والشراب، ولكن النصف منهم حصلوا على محلول السكر بكميات مفتوحة حسب رغبتهم. بعد ثمانية ايام ارتفعت الشهية لديهم وتضاعف استهلاكهم لمحلول السكر. بعد ثمانية ايام جرى منع الطعام والماء و المحلول السكري عن الفئران. بعد اثنى عشر ساعة كانت ردة الفعل عند جميع الفئران هي نفسها، لقد كانوا يكشرون ويصوتون. الفئران التي كانت تأكل وتشرب طعام عادي بدون سكر تعودت بسرعة على الوضع وتوقفت عن التكشير. النصف الاخر ازداد تكشيره وازدات اصواته واصبحت اطرافه الامامية ورأسه ترتجفان، تماما كما يحدث لدى المدمنين عندما يمنع عنهم المخدرات.
السكر يحفز الدماغ على طلب المزيد من الطعام
مدخني الحشيشة يعلمون انه بعد التدخين تزداد رغبتهم بالطعام وعلى الاخص طلبا للاطعمة المحلاة. السكر يحفز الشهية بنفس الميكانيزم، حسب التجربة التي اجراها السويدي Andreas Lindqvist من جامعة لوند. المادة الفعالة في الحشيشة THC, تشبه المادة المحفزة التي ينتجها الدماغ والمسماة endocannabinoider, والتي تلتصق بمستقبل لتنشط شبكة تقوم على زيادة الشهية. الباحثون قاموا بدراسة دماغ الفئران التي قضت اسبوعين وهي تشرب المحلول السكري وقارنوه بدماغ الفئران التي شربت المياه العادية. التحليل اظهر ان الفئران التي شربت المحلول السكري انتجت محفزات شهية اكثر ومستقبلات اكثر. ذلك يعني ان السكر حفز الشهية بطريقتين مختلفتين.
كما نرى، السكر، وعلى الاخص جزئي الفركتوز منه، مذنب في الكثير من الامراض التي نتعرض لها. وقد وصل الامر الى ان عدد كبير من العلماء طالبوا بتقليص عرض السكر في السوق. العالم الاميركي Robert Lustig من جامعة كاليفورنيا طالب بإستخدام خبرتنا في مكافحة ادمان الكحول والتبغ لمحاربة ادمان السكر، ومنها انه لايجوز بيع المشروبات الغازية والسكاكر للاطفال، كما يجب تحريم بيعها قرب المدارس. غير ان مثل هذا الاقتراح لن يحصل على شعبية لان عادة استخدام السكر اصبحت متجذرة والغالبية تعتبر انه ليس هناك سوء في الادمان على السكر. وحتى لدى شعوب مثل الشعوب العربية حيث الحملات ضد التدخين والكحول تحمل، بالدرجة الاولى دوافع دينية، سيكون من الصعب اقناع الغالبية بالتحرك ضد السكر، بدون ان نتمكن من ايجاد مبررات دينية لهذا التحريم ووضع الشيوخ على رأس الحملة.