كتب هشام شيتور .. الجزائر
أحدث وباء كورونا المستجد أو كوفيد ١٩ تقلبات وتحولات على مجرى حياة الأفراد والمجتمعات في شتى أقطار العالم ومناحيه، وفي جل المجالات الإقتصادية، السياسية، الاجتماعية، والأكاديمية، مما أحدث ضررا عميقا على كافة جوانب الحياة وكذا نشر القلق والذعر بين أفراد المجتمع.
ولعل الجزائر وعلى غرار باقي دول العالم واحدة ممن اجتاحها وباء كورونا الراهن، والذي ينتشر بشكل يمكن أن يكون بطيئا اعتبارا لأعداد الكشف في البلاد والتي رآها مختصون وأطباء وحتى فئات واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي بالقليلة والغير كافية، نظرا للسرعة في الانتشار التي يتميز بها الفيروس، هذا وقد توالت الإجراءات والخطوات التي تخص بالأساس الغلق على كافة نشاطات مؤسسات الدولة الا المهمة منها، ومن بين أهم الإجراءات التي اعتزمتها السلطات، والتي كانت الأولى من نوعها هو غلق المدارس والمعاهد والجامعات مع تعليق الدراسة إلى غاية ١٩ أفريل المقبل، هذا الذي من شأنه تعطيل السيرورة العادية لتلقين الدروس والمحاضرات لفائد التلاميذ والطلبة على اختلاف مستوياتهم (ابتدائي، متوسط، ثانوي، وجامعي) وفي ظل إجراءات الغلق والحجر الصحي التي إتخذتها السلطات من أجل الحد من انتشار الفيروس، تبعها إجراءات وقرارات لمختلف مسؤولي القطاعات المختلفة على غرار قراري وزير التربية والتعليم ، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي بالدعوة للتحول نحو التعليم الإلكتروني أو التعليم عن بعد، وذلك من خلال دعوة الأساتذة والمعلمين لوضع الدروس والمحاضرات لمختلف المستويات في ملفات pdf وبوسائط متعددة (نص، صورة، فيديو) عبر النت ليستفيد منها التلاميذ والطلبة ومزاولة الدروس عن بعد، واتمام البرنامج في ظل استمرار توقف الدراسة نظرا للتطورات التي تعرفها الجائحة في البلاد.
ومما لا شك فيه هو أن هذه الخطوة ربما قد تكون مستعجلة وغير مدروسة البتّة، لأن التحول نحو التعليم الإلكتروني يحتاج للتخطيط وإستراتيجية ممنهجة، وفق واقع يمكن الجميع من الحصول المتساوي والمتكافئ على الدروس والمحاضرات عبر الوسائط الجديدة وبمختلف الحوامل الإلكترونية، خاصة وأن في المجتمع الجزائري نجد عديد الفئات المجتمعية المهمشة والتي لا تمتلك حتى التجهيزات والوسائل التقنية اللازمة التي من شأنها تفعيل التعليم الالكتروني الذاتي بالوصول للدروس عن بعد أو عبر الخط، ففي جزائر ٢٠٢٠ هناك من لا يملك جهاز حاسوب أو خط هاتف وبالتالي امكانية الولوج لشبكة الأنترنت، حيث أن حتى الفئة التي تتوفر على هذه الشبكة تعاني الضعف الرهيب لتدفق الأنترنت وانقطاعها وهي الكفيلة بتسهيل العملية أي التعليم الإلكتروني.
فإتخاذ سلطة الأمر الواقع هكذا خطوات غير مدروسة ولا مخطط لها هو عبارة عن وهم وإتباع أعمى وتناقل من شأنه أن يعمق الهوة أكثر فأكثر بين مكونات الشعب الجزائري، كما أنه يبرز الضعف والنقص التقني الذي تعانيه الجزائر من الناحية الأكاديمية.
اضافة للضعف التكنولوجي ونقصه لابد من طرح التساؤل التالي:
هل يملك التلميذ أو الطالب الجزائري ثقافة تكنولوجية في التعامل مع مختلف الوسائل التقنية والوسائط الرقمية؟.
فالتلاميذ وفي غالبية المدارس والمعاهد والجامعات الجزائرية عبر كافة أرجاء الوطن التي لا تتوفر على أجهزة الحاسب الآلي وخدمات الإعلام الآلي وهو المقياس الذي فرضته منظمة اليونيسكو من أجل تلقينه لمختلف المستويات من أجل تمكين تلاميذ مختلف الأطوار من التعامل مع الحاسوب ومختلف الوسائل التقنية وتطبيقاتها، وهو الميدان الذي نجده في واقعنا الجزائري يعاني ترهلا وفقرا كبيرين، مما يؤدي الى انتشار الأمية التقنية (التكنولوجية) لدى معظم التلاميذ والطلبة خاصة تلمذة طوري الإبتدائي والمتوسط، لعدة أسباب أبرزها: عدم امتلاكهم وكذا تعاملهم مع الوسائل التكنولوجية الحديثة والجديدة بإختلافها (حاسوب، لوح رقمي، هاتف ذكي)
وأيضا عدم بناء برامج تعليمية خاصة لفائدة التلاميذ لتعريفهم على البيئة الرقمية وكيفية التعامل معها والبحث فيها عن المعرفة.
اذا إن الانتقال هكذا إعتباطيا نحو التعليم الإلكتروني، هو تعميق للأزمة وتوسيع للهوة بين أطياف المجتمع حيث نجد أن من يمتلك الوسائل التقنية ستصله الدروس بينما الفئات الهشة والتي تعاني الفقر وأصحاب القرى والمداشر ليس لهم القدرة والامكانات التقنية اللازمة للحصول على الدروس والمحاضرات.
فالذهاب نحو التعليم الالكتروني يحتاج ما يحتاجه من التجهيزات والوسائل التكنولوجية والإمكانيات اللوجيستية والبنى التحتية التي يمكنها أن تؤسس للتعليم عن بعد من توفر كافة التلاميذ والطلبة على الوسائل الضرورية من أنترنت وتجهيزات تكنولوجية، مع ضرورة مراجعة تدفق الأنترنت الضعيف، بالاضافة لضرورة تهيئة التلاميذ والطلبة مسبقا على التعامل مع هذه الوسائل واستخدامها وتحضيرهم تقنيا، وكذا ضرورة وضع برامج تعليمية تربوية لفائدة التلاميذ والطلبة بغرض تعريفهم بالتعليم الإلكتروني ومختلف التجهيزات والوسائل المستعملة في ذلك للقضاء على الأمية التقنية، وتمكين التلاميذ والطلبة كافتهم ودون اسثناء من الحصول على الوسائل اللازمة والممكنة من التعلم إلكترونيا، خاصة مع التكلفة المادية التي تعرفها هذه الوسائل والتقنيات.
فالكلام على التعليم الإلكتروني من دون توفر المتطلبات المذكورة ومتطلبات أخرى ووضع استراتيجيات لذلك هو بيع للوهم وبهتان وإستكمال لمسيرة التخلف والتأخر التقني الذي تعرفه المدرسة والجامعة الجزائرية مقارنة بمثيلاتها في الدول الغربية وبعض الدول العربية، فعدم وفرة المتطلبات والشروط اللازمة يعني إستحالة التعليم والتعلم الإلكتروني و هو مؤشر آخر يوضح عدم معرفة القائمين على الدولة ومؤسساتها للمجتمع الجزائري وللجزائر العميقة وللجزائريين في القرى والمداشر والصحاري والأرياف، وهو مثال عن الإبتعاد بين المسؤول والمواطن وقصر نظر السلطة للمجتمع ومكوناته وأطيافه.