أ.د الهلالي الشربيني
أ.د الهلالي الشربيني

مؤسسات التعليم وتكوين الوعي بشأن قضية المناخ

 

بقلم: أ.د الهلالى الشربينى الهلالى

 

أستاذ التخطيط التربوى والإدارة التعليمية بجامعة المنصورة

 

وزبر التربية والتعليم والتعليم الفني السابق

 

تشير كلمة “المناخ” إلى حالة الطقس في منطقة ما على امتداد الزمن بينما يشير “تغير المناخ ” إلى تغيرات جوهرية في حالة الطقس، من حيث الحرارة، وقوة الرياح، ونسب الجفاف والرطوبة، وما ينتج عن هذا التغير من غازات تسببها عوامل طبيعية وأخرى بشرية، تؤدي إلى الاحتباس الحراري، وتؤكد كثير من التقارير العالمية أنَّ الفشل في مواجهة تحدى “تغير المناخ” سوف يؤثر على كافة مناحي الحياة والنظام البيئي، بدءاً من الأماكن التي نعيش بها، إلى المياه التي نشربها، والهواء الذي نتنفسه.

 

وتعد المنطقة العربية – التي تمتد على مساحة أكثر من 13 مليون كيلومتر مربع في أفريقيا وآسيا – مـن أكثـر مناطـق العالـم تعرضــاً للآثار المتوقعة لتغيـر المنــاخ ؛ وقد يترتب على ذلك تفاقِم للضغـوط الاجتماعية والبيئيـة والاقتصادية التي تعاني منها المنطقة بالفعل فــي قطاعــات عديــدة مثل: الميــاه، والزراعــة، والبنيــة التحتيــة، والزراعـة المائيـة، والصحـة والسـياحة، والأمن ، والهجرة القسرية ، هذا بالإضافة إلى أن هذه الأثار قد تضـع عراقيـل أمـام تنفيــذ أهــداف التنميــة المســتدامة الأخرى في المنطقة.

 

وعلى الرغم من أن العرب ربما يكونون أحوج شعوب الأرض للاهتمام بقضايا المناخ والبيئة، لأنهم يواجهون تهديدات حياتية جماعية، في مقدمتها الفقر المائي ، مازالت الدول العربية تفتقر حتى الآن إلى مبادرات وشراكات كبيرة وحقيقية تستهدف تدعيم التعاون العربى حول هذه الأزمة ، ومن ثم فالأمر يتطلب منها تبنّي نهج متكامل إزاء هذه الأزمة يركز على إعداد خطط عمل عربية بأهداف واستراتيجيات واضحة وأدوار محددة للتنفيذ والمراجعة والمتابعة، وحشد مؤسسات التمويل الإنمائي العربية لتقديم التمويل للمبادرات العلمية والفنية والتربوية الخاصة بمواجهة تغير المناخ، ، وعدم الانتظار والرهان على مبادرات تأتي من الدول الكبرى لأن هذه الدول هي من صنعت الأزمة ولن تتحرك وتساعد من لا يبادر إلى مساعدة نفسه.

 

إن تغير المناخ ينطلق بسرعة أكبر مما كنا نتصور حتى بات بمثابة سباق -نحن البشر الخاسرون فيه حتى الآن- ولكونها قضية وجود فإننا إن أردنا الحياة فلابد لنا من الفوز في هذا السباق؛ فلا أحد منا بمنأى عن الآثار المدمرة لهذه الأزمة، ومن ثم فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل نحن بالمطلق عاجزين عن مواجهة قضية تغير المناخ؟

 

العلم يؤكد أن تغير المناخ بات حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها، لكنه أيضًا يخبرنا أن الأوان لم يَفُتِ بعد، وما علينا إلا أن نبحث عن غذائنا كيف نزرعه، وعن أراضينا كيف نستغلها، وعن سلعنا كيف ننقلها، وعن اقتصاداتنا من أين نأتي بوقودها ؛ومن هنا فقد تم توقيع اتفاقين دوليين بشأن مواجهة هذه القضية؛ الأول اتفاق باريس في عام 2015 ، والآخر خطة  الأمم المتحدة  للتنمية المستدامة 2030 ،  وقد أكد اتفاق باريس على عدة أهداف دولية لتجنب التغيرات المناخية من بينها: الإبقاء على ارتفاع معدل درجة الحرارة العالمية دون درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، والعمل على تثبيت هذه الزيادة عند 1.5 درجة مئوية.

 

كما أن قائمة أهداف التنمية المستدامة التي تتبناها الأمم المتحدة تضم سبعة عشر هدفاً يمثل الهدف الثالث عشر منها العمل المناخي، ويتضمن هذا الهدف اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره، من بينها:

 

تعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الأخطار المرتبطة بالمناخ والكوارث الطبيعية والتكيف معها، وإدماج التدابير المتعلقة بتغير المناخ في السياسات والاستراتيجيات على الصعيد الوطني، وتنفيذ ما تعهدت به البلدان المتقدمة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وتعزيز آليات تحسين مستوى قدرات التخطيط والإدارة المتعلقين بتغير المناخ في أقل البلدان نموا، والدول الجزرية الصغيرة النامية، وتحسين التعليم وإذكاء الوعي والقدرات البشرية والمؤسسية للإنذار المبكر بتغير المناخ، والحد من آثاره والتكيف معه.

 

وإذا كانت مخاطر التغير المناخي قد تتحول إلى حروب فتاكة، وإذا كان البشر هم أصل الأزمة البيئية التي يعيشها العالم حاليًا؛ من منطلق أن الإنسان هو الذي تسلط على الطبيعة، ودمر جوانب كثيرة منها حتى انقلبت عليه ووضعت عنقه تحت سيفها فإن الأسئلة التي تطرح نفسها: ماذا عن البعد التربوى في معالجة هذه الأزمة في وطننا العربي؟ وماذا عن تربية الوعي عند الطلاب والشباب الذين يشكلون الكتلة الحرجة من السكان في كل المجتمعات العربية؟ وما مدى وعي هؤلاء الطلاب والشباب بالآثار السلبية الجسيمة الناتجة عن تغير المناخ؟ وهل يحرصون على المشاركة الفعالة من أجل معالجة هذه القضية؟

 

إن كلَّ دول العالم تقريبًا معرضة لمخاطر تغير المناخ، إلا أن الطبيعة الجغرافية للوطن العربي؛ تضعه في خطرٍ كبيرٍ بسبب هذه الأزمة، وما يزيد المشكلة تعقيداً هو وجود نقص فى الوعي بأبعاد هذه الأزمة بين كثير من الطلاب والشباب العرب وأهمية معالجتها؛ حيث انتهى استطلاع لرأي الشباب العرب طُبق فى عام 2016 على 3500 شاب من 16 دولة عربية، في الفئة العمرية من 18 إلى 24 عاماً حول القضايا الأساسية التي تثير اهتمامهم إلى أنه من بين 27 قضية أساسية جاء تغير المناخ في المرتبة السادسة والعشرين.

 

إن الطلاب في مراحل التعليم المختلفة في حاجة ماسة إلى ما هو أكثر من مواجهتهم بالحقائق فقط حول قضية المناخ وعلينا أن نفتح معهم حوارات حول المسارات التي يمكن أن نسلكها معًا لمواجهة قضايا المستقبل، ومنها بالطبع تغيُّر المناخ، وعلينا أيضًا أن نجيب عن كثير من الأسئلة التي تتبادر إلى الأذهان منها على سبيل المثال: هل من الحكمة أن نخصص محتوى يتعلق بتغيُّر المناخ يتم تدريسه للطلاب في كل المراحل الدراسية أم ندمج قضايا المناخ في المقررات الدراسية والأنشطة التربوية المختلفة؟ ومن الذي يقوم بالتدريس؟ هل معلم بعينه أم كل المعلمين؟

 

أن المؤسسات التعليمية عليها أن تُضمن قضايا أزمة المناخ في مناهجها الدراسية وأنشطتها التربوية، وأن تستضيف متحدثين متميزين ينتمون إلى مؤسسات محلية وجامعية كى يحدثوا الطلاب عن قضية المناخ، والأدوار التي يمكن أن يؤديَها كل طالب فى التعاطي معها، وألا تقصر تدريس قضية تغير المناخ وانعكاساتها على حياة البشر على مجموعة بعينها، ومن ثم يجب عليها تنمية قدرات جميع المعلمين في كافة مراحل التعليم ابتداء من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية حول ما يُعرف بـ “التعليم المناخي”، كى يتمكنوا من توعية الطلاب بالجوانب المختلفة لأزمة المناخ .

 

وفى هذا السياق يمكن تنمية وعي الطلاب بقضايا المناخ والتعليم البيئي، من خلال التركيز على ريادة الأعمال في المجالات المتعلقة بالحفاظ على البيئة، وعدم قصر دور الطلاب على التعلم بشأن قضية تغير المناخ ومسبباتها، وتوسيع دورهم نحو تحمل مسؤولية العمل على حل مشكلات البيئة، والقيام بدور إيجابي في حمايتها، وتصميم ورش عمل تفاعلية للتعريف بقضايا تغير المناخ والأخطار الناتجة عنه، وكيفية الحد من آثاره، وتنظيم فعاليات تجمع بين الطلاب والجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وشركات القطاع الخاص المعنية بقضايا المناخ، وذلك من أجل منح الطلاب الشعور بالمسئولية والمشاركة في صنع القرار، و تضمين المناهج التربوية والبرامج الإعلامية مواد للتوعية بأهمية الحفاظ على بيئة نظيفة.، و عمل حملات تشجير تقوم بها المؤسسات والأسر والأفراد والبحث عن أفضل الأشجار التي يمكن أن تعيش في البيئة الصحراوية العربية وتساهم في التخفيف من حرارة الجو.

 

وبذلك يمكن أن تنمى المؤسسات التربوية الوعي البيئي لدى الطلاب وبناء قدراتهم لخلق مشاركة مجتمعية مهتمة بقضايا الاستدامة البيئية، وتعظيم النمو الاقتصادي، وتحسن صحة الأفراد وجودة الحياة.

 

 

عن هاني سلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.