رياض معزوزي-المجلة العلمية أهرام- الجزائر
قررت الحكومة الجزائرية تعيين خبراء مختصون في مجال حماية الحدائق التاريخية ،من أجل متابعة الأوضاع العامة في حديقة التجارب العلمية الحامة ومعالجة بعض المشاكل التي باتت تهدد أنواعا من النباتات والحيوانات المهددة بالانقراض ،خاصة وأن الحكومة الجزائرية عملت مؤخرا على اعادت بعث الحياة السياحية بهذه الحديقة الساحرة بفتح الأبواب أمام الجماهير بعد ان كانت الحديقة مغلقة لعشرية كاملة من الزمن بسبب محاولات جماعات ارهابية اتخاذها كوكر لتنفيذ عملياتها في قلب العاصمة، وحسب معلوماتنا فان الغلاف المالي المخصص للعملية يفوق 17 مليار دينار جزائري ويشمل ترميم مساحات من الحديقة وتجديد بعض الأروقة مع محاولة الحفاظ على الروح التاريخية للحديقة ،و تعود نشأة حديقة “الحامة” في العاصمة الجزائرية إلى عام 1832، أي بعد عامين من الاستعمار الفرنسي للجزائر. وكانت تقدر مساحتها آنذاك بنحو 100 هكتار، إلا أن التوسع العمراني قلص مساحتها إلى 32 هكتارًا فقط.وتتوسط الحديقة حي البلكور الشعبي في الجزائر العاصمة، ومنذ نشأتها كانت حديقة الحامة أرضًا للتجارب العلمية التي يجريها الاستعمار الفرنسي على النباتات التي يحضرها من المستعمرات الأفريقية الأخرى، حيث يتم زراعتها في الحديقة لتتأقلم مع المناخ المتوسطي، ثم يصدرها إلى أوربا بعد ذلك. كانت تستخدم الحديقة أيضًا كمشتل لأنواع الكرم والزيتون والفواكه، وتوزع على مزارع المعمرين الفرنسيين “الكولون” في الجزائر.يتميز مناخ حديقة الحامة عن مناخ العاصمة، حيث تتراوح درجة حرارة العاصمة ما بين 6 درجات شتاء و38 درجة صيفًا، بينما لا تنخفض درجة الحرارة في الحديقة عن 15 درجة شتاء، ولا تزيد عن 25 درجة أثناء الصيف. ولا يوجد تفسير علمي لهذه الظاهرة سوى أنها قدرة الله ،ولم يساعد هذا المناخ الدافئ على تنوع النباتات في الحديقة فحسب، بل وفي عمرها المديد أيضًا. حيث ينمو في ربوع الحديقة ما يربو عن 2500 نوع من الأشجار والنباتات من مختلف أنواع المناخ والبيئة في العالم تأقلمت مع مناخ الحديقة المتميز. بعض هذه النباتات والأشجار لا يوجد إلا في حديقة الحامة مثل شجرة دراسينا “Dracaena” أو Dragonia”” وتعرف بشجرة التنين، ويعود عمرها إلى عام 1847.ويزين ممر الحديقة الفرنسية المجاورة للبحر أشجار النخيل المروحي المسمى “واشنطونيا”، وتبعد الحديقة الفرنسية عن البحر بنحو مائتي متر فقط، وسميت بهذا الاسم لتشابهها مع حدائق قصر فرساي بفرنسا، وأنشئت في عام 1903.كما توزعت في أرجاء الحديقة بتنسيق جميل أشجار “Cicos” عمرها 98 سنة. إلى جانب أنواع أخرى مثل الفيكوس والبامبو التي غرست في الحديقة عام 1847. وتأسف الدكتور حفاصي لوجود 120 نوعًا من هذه الثروة النباتية مهدد بالانقراض؛ نظرًا للشيخوخة التي أصابتها.وقد صرح الدكتور فيصل حفاصي للمجلة العلمية اهرام أن مختبر الحديقة يقوم بتجارب لتجديد خلايا الأشجار المهددة بالانقراض، وعرض أمامنا عينات في المختبر لتشبيب الأشجار الشائخة.ورفض الدكتور حفاصي البوح بالطريقة التي يجددون بها خلايا الأشجار الهرمة، وبعضها يزيد عمرها عن مائتي عام؛ لأنها غرست في الحديقة وعمرها لا يزيد عن ثلاثين عامًا.
بين أحضانها تنام أول حديقة حيوانات بافريقيا
تنام بين أحضان حديقة التجارب الحامة أول حديقة حيوانات أسست بقارة افريقيا، أنشأها المعمر الفرنسي جوزيف دونج عام 1900، كان أميًّا، وكانت زوجته تفك الحرف. لبّت السلطات الفرنسية طلبهم بإنشاء حديقة حيوانات بمنحهم هكتارا واحدا لبناء حديقة حيوانات تدجن فيها الحيوانات المتوحشة القادمة من أدغال أفريقيا، ثم تصدر إلى أوروبا. ربّى الفرنسيون في هذه الحديقة أيضًا الأغنام والنعام لبيع الريش والبيض،وازدهرت تجارة الحيوانات المتوحشة المُدجنة عام 1912، حيث تعيش الحيوانات المتوحشة لمدة شهرين في الحديقة، ثم تُصدر لدول أوروبا. والهدف من بقاء الحيوانات هذه المدة هو التأكد من خلوها من الأمراض، وتعويدها على مناخ يختلف عن مناخ غابات أفريقيا لتُصبح مهيأة للتأقلم في حدائق حيوان أوروبا.
-جاكتير- أكتور- وأوريسوس- أسماء لحيوانات صنعت تاريخ الحديقة
حسب تصريحات محدثنا الدكتور فيصل حفاصي الحاصل على شهادة الدكتوراه من الجامعات الفرنسية مختص بترويض الحيوانات المتوحشة وله أسلوبه في التعامل معها ودارس أيضا لتاريخ الحديقة. فان أنثى التمساح جاكلين كانت أول ضيوف الحديقة. بعد أن تم استقدامها عام 1900 مع ذكرها آندوف من نهر المسيسبي بالولايات المتحدة الأمريكية وعمرها أكثر من أحد عشر عامًا. ناسبها مناخ الحديقة وعمّرت بها وماتت في 28 نيسان “أبريل” عام 1990 عن عمر يناهز 100 عام. وتم تحنيطها لتبقى زائرة أبدية للحديقة. وحملت جاكلين الرقم القياسي في العالم لعمرها الطويل.والنسر أكتور عايش جاكلين كجارة في الحديقة، أكتور من الطيور الجارحة وأصله من ألبيرو وعمره 111 سنة. ولا يزال يرقص للزائرين، وخاصة الأطفال.ويعتبر الدب أوريسوس الذي كان عمره 81 عامًا عندما مات في نيسان “أبريل” الماضي، الدب الأكبر عمرًا في العالم. يأتي بعده دب اليابان الذي مات منذ 5 سنوات عن عمر يناهز 32 عامًا، ودخل كتاب جينس للأرقام القياسية؛ لأن معدل العمر الطبيعي للدببة يتراوح بين 15- 25 عامًا، بينما عاش أوريسوس لأكثر من 3 أضعاف العمر الطبيعي للدببة بعيدًا عن أضواء كتاب جينس.وكان الدب أوريسوس يعيش رغدًا على نظام غذائي لا تأكله الدببة عادة في الغابة، مثل كبد الحمار والسمك والثوم والفيتامينات. ويصوم الدب العجوز يومًا في الأسبوع ليريح معدته. وكان الدكتور حفاصي يلاطفه كأحد أبنائه، وبمجرد أن يسمع الدب أوريسوس صوت الدكتور حفاصي كان ينهض من مكانه وينظر إليه بعينين ممتنتين.
لمذا يطول عمر الحيوانات بالحديقة؟
فسّر الدكتور فيصل حفاصي طول عمر هذه الحيوانات بأنه عائد لقدرة الله عز وجل كما ان المناخ الذي تتميز به هذه الأخيرة باعتبارها تجمع مميزات مناخات ساءدة أواسط افريقيا وأمريكا اللاتينية الغنيتين بالحيوانات والثروة الغابية،. فكون هذه الحيوانات تعيش لأضعاف عمرها الطبيعي معجزة إلهية. وقد كان لحديقة التجارب في الجزائر -المستعمرة الفرنسية السابقة- شهرة ذاع صيتها في أوروبا والعالم واجتذبت زوارًا كثيرين من مشاهير العالم. منهم كارل ماركس الذي زارها في عام 1842 وكتب مشاهداته عن حياة الجزائريين البائسة مقارنة برخاء المستعمرين الفرنسيين. كما زارها فيكتور هيجو الأديب الفرنسي المعروف، وزارها أيضًا الرئيس الفرنسي شارل ديجول، وفي الحديقة تم تصوير الفيلم الأمريكي الشهير “طرازان”.
-الحامة- الحديقة التاريخية الثالثة في العالم
تُعَدّ حديقة الحامة إحدى أروع الحدائق التاريخية الثلاثة في العالم . بعد حديقتين، الأولى في بريطانيا والثانية في الولايات المتحدة الأمريكية. وتُعتبر مكتبة عالمية للنبات. وكانت قبل اندلاع الأزمة الجزائرية عام 1991 تحفة فنية لكثرة التماثيل فيها، منها تمثال المرأة المستحمة، وهو الوحيد في العالم. واختفى التمثال خلال سنوات أزمة العنف التي اكتوت فيها الجزائر. وظهر التمثال العام الماضي لدى عائلة ميسورة لها علاقات بجهات نافذة بالسلطة، وقد ابتاعته ممن هرّب أو سرق التمثال فقط بـ400 ألف دينار جزائري (حوالي 5760 دولارًا أمريكيًّا)، وذلك حسبما ذكرت الصحف الجزائرية. في الوقت الذي لا يُقدر فيه هذا التمثال بثمن، حيث يعود تاريخ نحته إلى عام 1841 .
*رياض معزوزي