نايت علي فـاتـح – المجلة العلمية اهرام – إن ما يمنح التلميذ قوة العقل و حب الدراسة و التفوق العلمي أن يكون سليم العقل و صحيح النفس و لا يختلف اثنان على أن الصحة النفسية للتلميذ يجب مراعاتها خاصة في مثل سنه فيكون كما تمثله المصلح الجزائري الإبراهيمي واسع الآمال إلى حد الخيال و لكنه يزجيها بالأعمال إلى حد الكمال فيكون حلف عمل لا حليف بطالة و مرتاد حقيقة لا رائد خيال. فهل تلميذنا اليوم يعتنى بصحته النفسية ؟
الصحة النفسية في مفهومها لا تعني خلو النفس البشرية من الأمراض و حسب بل تتعدى إلى التوافق الاجتماعي و التناسق الذاتي و الاستقرار النفسي و الرضي بالإنتاج البدني و الذهني الملائم للإنسان في حدود إمكاناته و طاقاته فلا شك أن الأمن, الاطمئنان, تقدير الذات, وجود أهداف في الحياة و توازن الانفعالات من أهم مظاهر الصحة النفسية حسب ما أكده عالم الاقتصاد ماسلو حينما تتبع اهتمامات و حاجيات المجتمع و تأثيرها على الأفراد من خلال سلم الحاجات.
و باعتبار أن المدرسة هي البيئة الثانية المؤثرة في تنشئة و تثقيف الطفل بتوفيرها لظروف للنمو البدني, العقلي, الاجتماعي و النفسي… فهي تساهم بلا شك في تقوية صحته النفسية و من خلاله صحة المجتمع سلبا أو إيجابا فهي التي ترافقه و تربيه و تكونه للانتقال به من طفل يعتمد على غيره إلى راشد يعتمد على نفسه. لكن الواقع التربوي المعاش و المنقول على صفحات الجرائد و التي تطلعنا في كل مرة على اعتداءات مختلفة الأشكال و انحرافات أخلاقية جد خطيرة تغير الاعتقاد السائد بان المدرسة ليست فقط مربية و ناقلة معلومات و مصححة لأي اضطراب نفسي أو سلوكي.
ومن وجهة أخرى نجد أن الإصلاحات المتخذة في المجال التربوي في العديد من الدول و التي شكلت لها إدارة كاملة و حشر فيها من التربويين جند و خصصت لها ميزانية طائلة و قدر لها من العمر سنوات, يسودها نوع من الحياد و التجاهل إذ نجد ان الاهتمام بإشكالية الصحة النفسية للتلميذ من طرف العاملين بالقطاع ضعيف ليس فقط بالنسبة للتلميذ ذاته بل حتى بالنسبة للمعلم فوجب التذكير هنا بالمشاكل اللامتناهية للمعلم من تعب و إرهاق ونقص في الإمكانات و أفضل مثال على دلك هو ما توصلت له إحدى الدراسات الميدانية حول الأمراض النفسية الأكثر شيوعا ( الاكتئاب, القلق, الضغط النفسي…) لدى المعلمين في بعض من الثانويات أين وجد بان %46 منهم يعانون من القلق و %38 يعانون من الاكتئاب و أن نسبة الاحتراق النفسي (العمل دون إنتاجية) وصلت حد %32 من المبحوثين و هاته الأرقام الخطيرة توحي بإلزامية إنشاء برامج وقائية للمدرسين و المتمدرسين و إعداد مشاريع تربوية نفسية هادفة لحماية و تطوير طاقات التلاميذ البدنية و قدراتهم النفسية… فالمدرسة هي أيضا مكان لصناعة الفكر و نشر المعرفة و البحث عن الحكمة. فلما لا نجد اليوم في مدارسنا مكتبات بالمعنى الحقيقي و لا لقاءات أدبية و لا علمية و لا أنظمة اجتماعية تربوية يأتم معنى الكلمة أهو إهمال أم تقصير أم لأسباب أخرى؟.
إضافة إلى كل داك نجد أن تعدد الأفكار و الرؤى التربوية في المناهج التعليمية لم تؤطر إلى يومنا هدا آليات و ميكانيزمات تشرف و تهتم بالصحة النفسية ناهيك عن العلمية للتلميذ في مختلف أطواره التعليمية بدءا من كتابه و محفظته, مكان تواجد مدرسته و إمكانياتها, و كثافة البرامج المدرسة باعتراف المدرس و المدير . فهل يمكن للأكاديميين المتخصصين أن يوضحوا لنا مكانة المدرس و المتمدرس في عملية الإشراف التربوي و أين هو من كل دلك ؟ ألا يرى أولئك بأن عدم إشراك التلميذ في الإشراف التربوي أدى إلى إهمال مواقع الخلل التي يعاني منها اليوم جميع التربويين و لما لا يُـنـظـر إلى العقل على أنه ظاهرة عـقـلية تنتج عن عملية التفكير السليم القائم على الإدراك و التحليل و التعميم و على أنه مظهر من مظاهر الشخصية السوية و عامل من عوامل تنمية الذات من خلال عملية التفاعل الاجتماعي و من ثم إيجاد علاقة كل دلك بالصحة النفسية لتلميذ المدرسة العربية.
نايت على فاتح